ليس ماينشر في مواقع التواصل الاجتماعي سيئا, بل ان هناك الكثير من الفيديوهات والتسجيلات الصوتية والندوات والمحاضرات مهمة..
وقد وصلني فيديو لآيات من الذكر الحكيم بصوت قاريء غير معروف وكتبت حوله مقالا أرجعني إلى بحوث كنت قد كتبتها حول القرآن الكريم, سابقا,
القرآن هو: اللفظ العربي المعجز المُوحَى به إلى محمد صلى الله عليه وسلم المتعبد بتلاوته والواصل إلينا عن طريق التواتر.
وهذا التعريف يشمل قيودا أربعة هي:
أولا.المعجز: ويقصد منه ما اتصف به القرآن من البلاغة والبيان الذين أعجزا بلغاء العرب كافة عن الإتيان بأقصر سورة من مثله، رغم التحدي المتكرر، ورغم التطلع الشديد لدى الكثير منهم إلى معارضته والتفوق على بيانه. وللقرآن وجوه غير هذا الوجه في إعجازه، ولكن الوجه المقصود منها عند التعريف هو هذا.
ثانيا.الموحى به: ومعناه المنزل عليه من الله عز وجل بواسطة جبريل، وهذا أهم قيد في تعريف القرآن وتحديد ماهيته.
ثالثا.التعبد بتلاوته: والمقصود به أن من خصائص هذا الكتاب الكريم أن مجرد قراءته تكسب القارئ أجرا ومثوبة عند الله، وأن ذالك يعتبر نوعا من العبادة المشروعة، وأن الصلاة لا تصح إلا بقراءة شيء منه ولا يغني عنه غيره من الأذكار أو الأدعية أو الأحاديث.
رابعا: وصوله عن طريق التواتر. ومعناه أن قرآنية آية من القرآن لا تثبت حتى تصل إلينا بطريق جموع غفيرة لا يمكن اتفاقها على الكذب، ترويها عن جموع مثلها إلى الناقل الأول لها بعد أن تنزلت عليه وحيا من الله عز وجل، وهو سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام. ويعقب الدكتور البوطى على هذه التعاريف في كتابه المتميز«من روائع القرآن». الذي اعتمدناه لشموله ومنهجيته, أن هذه القيود الأربعة في التعريف,تبين حقيقة القرآن خالية من كل الشوائب أي ليس بالحديث النبوي أو القراءات الشاذًًة أو الحديث القدسي أو الترجمة الحرفية أو غير الحرفية للقرآن.إذ الحديث القدسي ليس بمعجز والقراءات الشاذة غير متواترة, والحديث القدسي غير معجز, ذالك لأن اللفظ فيه من الرسول صلى الله عليه وسلم, والترجمة ليست هي اللفظ المنزل. وهذا ما جعل عامة الباحثين من علماء العربية والتشريع والفلسفة والفرق المختلفة يجمعون على أن القرآن معجز. وأن لهذا الإعجاز تعريفان:
أولهما: هو المعتمد لدى جمهور العلماء والباحثين.
والثاني: تفرد به أبو إسحاق إبراهيم النظام (ت:231) اللغوي ألمعتزلي المعروف، ثم تبعه في ذالك بعض الناس من فرقته وجماعته.
وحسب التعريف الأول: فإن القرآن قد سما في علوه إلى شأو بعيد بحيث تعجز القدرة البشرية عن الإتيان بمثله، سواء كان هذا العلو في بلاغته أو تشريعه أو مغيباته.
أما التعريف الثاني: فهو أن الله قد صرف قدرات عباده وسلب همتهم وحبس ألسنتهم عن الإتيان بمثله.
ويرى البوطي أن الفرق بين التعريفين هو أن مصدر الإعجاز في التعريف الأول علو منزلة القرآن عن مستوى الطوق البشري، أما مصدره في التعريف الثاني فهو حبس القدرات وصرف الهمم عن معارضته وتقليده، أي فهو قد يكون، والحالة هذه غير بعيدة في منزلته البلاغية عن طاقة البشر ، ولكن الله ، تصديقا لنبيه ولطفا به، صرف الناس عن تقليده ومحاكاته.
مرجحا تعريف الجمهور لأنه أقرب للعقل والفهم ومستبعدا تعريف النظام ومن تبعه لعدم اعتماده على العقل والمنطق.
ولم يكن البوطي هو الوحيد الذي انتقد هذا التعريف بل هناك الكثير من الباحثين ممن ردوا عليه حتى أن الجاحظ سخر منه.
يقول الإمام البقلانى في كتابه إعجاز القرآن:
" .. لو لم يكن القرآن معجزا على ما وضعناه من جهة نظمه الممتنع ، لكان مبهما حُطً من رتبة البلاغة فيه، ووضع من مقدار الفصاحة في نظمه كان أبلغ في الأعجوبة إذا صرفوا عن الإتيان بمثله، ومنعوا عن معارضته وعُدلت دواعيهم عنه، فكان يستغني عن إنزاله على النظم البديع وإخراجه في المعرض الفصيح العجيب.
على أنهم لو كانوا صرفوا على ما ادعاه ـ أي القائل بهذا التعريف ـ لم يكن من قبلهم من أهل الجاهلية عما كان يعدل به في الفصاحة والبلاغة وحسن النظم وعجيب الرصف، لأنه لم يتحدوا إليه، ولم تلزمهم حجته. فلما لم يوجد في كلام من قبله مثله، علم أن ما أدعاه القائل بالصرفة ظاهر البطلان").
ثم يقول بعد ذالك:
" ومما يبطل ما ذكروه من القول بالصرفة، أنه لو كانت المعارضة ممكنة وإنما منع الصرفةـ لم يكن الكلام معجز، وإنما يكون المنع هو المعجز، فلا يتضمن الكلام فضيلة على غيره في نفسه، وليس هذا بأعجب مما لو قيل: إن الكل قادرون على الإتيان بمثله، وإنما يتأخرون عنه لعدم العلم بوجه ترتيب لو تعلموه لوصلوا إليه بعد"
يقول البوطي في هذا الصدد:
" إن أيسر ما يوضح فساد تفسير إعجاز القرآن بالصرفة، أن الواقع قد خالف ذالك، فلم يصرف الناس في الحقيقة عن الإقبال إلى تقليده ومجازاته. بل قام في التاريخ من حاول أن يعارض، وعارض وأتي بكلام زعم أنه قد حاكي به كلام الله عز وجل، ولكنه جاء مرذولا سمجا لا قيمة له"
(من ذالك ما حدث من الشاعر العربي لبيد ابن ربيعة, الشهير ببلاغة منطقه وفصاحة لسانه، ووصالة شعره. فعندما سمع أن محمدا صلى الله عليه وسلم يتحدى الناس بكلامه قال بعض الأبيات ردا على ما سمع، وعلقها على باب الكعبة، وكان التعليق على باب الكعبة امتيازا لم تدركه إلا فئة قليلة من كبار شعراء العرب ، وحين رأى أحد المسلمين هذا أخذته العزة، فكتب بعض آيات القرآن، وعلقها إلى أبيات لبيد، ومر لبيد بباب الكعبة في اليوم التالي، ولم يكن قد أسلم بعد، فأذهلته الآيات القرآنية، حتى إنه صرخ من فوره قائلا:(والله ما هذا بقول بشر، وأنا من المسلمين).
وكان من نتيجة تأثر هذا الشاعر العربي العملاق ببلاغة القرآن أنه هجر الشعر، وقد قال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوما: يا أباعقيل: أنشدني شيئا من شعرك، فقرأ سورة البقرة, وقال: ماكنت لأقول شعرا بعد أن علمني الله سورة البقرة وآل عمران.
ومن ذالك أيضا ما وقع لاين المقفع كما جاء في كتاب المستشرق (ولاستن) وعلق عليه بقوله: ".. إن اعتداد محمد بالإعجاز الأدبي للقرآن لم يكن على غير أساس، بل يؤيده حادث وقع بعد قرن من قيام دعوة الإسلام"
والحادث كما جاء على لسان المستشرق، هو أن جماعة من الملاحدة والزنادقة أزعجهم تأثير القرآن الكبير في عامة الناس، فقرروا مواجهة تحدي القرآن، واتصلوا لإتمام خطتهم بعبد الله بن المقفع 727م، وكان أديبا كبيرا. وكاتبا ذكيا. يعتد بكفاءته فقبل الدعوة للقيام بهذه المهمة..وأخبرهم أن هذا العمل سوف يستغرق منه سنة كاملة، واشترط عليهم أن يتكلفوا بكل ما يحتاج إليه خلال هذه المدة.
ولما مضى على الاتفاق نصف عام، عادوا إليه، وبهم تطلع إلى معرفة ما حققه أديبهم لمواجهة تحدي رسول الإسلام، وحين دخلوا غرفة الأديب الفارسي الأصل، وجدوه جالسا والقلم في يده، وهو مستغرق في تفكير عميق، وأوراق الكتابة متناثرة أمامه على الأرض، بينما امتلأت غرفته بأوراق كثيرة، كتبها ثم مزقها.
لقد حاول هذا الكاتب العبقري أن يبذل كل مجهود، عساه أن يبلغ هدفه، وهو الرد على تحدي القرآن المجيد..ولكنه أصيب بإخفاق شديد في محاولته هذه، حتى اعترف أمام أصحابه، والخجل والضيق يملكان عليه نفسه، أنه على الرغم من مضي ستة أشهر، حاول خلالها أن يجيب على التحدي، فإنه لم يفلح في أن يأتي بآية واحدة من طراز القرآن!! وعندئذ تخلى ابن المقفع عن مهمته، مغلوبا مستخذلا"!!
وغيره كثر ممن حاولوا مواجهة هذا التحدي، غير أنهم أخفقوا إخفاقا ذريعا, من هؤلاء أبو الحسن أحمد بن يحي المعروف بابن الرواندي، والنضر بن الحارث، وطليحة بن خويلد ألأسدي, ومسيلمة بن حبيب الكذاب وقد كان مسيلمة من فصحاء العرب، وكان إذا تكلم على سجيته جاء بكلام جيد، لا يوزن بشيء من السخف الذي انحط إليه عندما حاول تقليد القرآن ومعارضته.
وهكذا لا يزال تحدي القرآن الكريم قائما ومستمرا على مر القرون والأجيال وهو معجز في القرن العشرين أكثر مما كان عليه لأنه استمر تحديه أربعة عشر قرنا. ومع نمو العقل البشري عجز الإنسان عن الإتيان بسورة واحدة من مثله، ثم إن آيات التحدي هذه ظلت مسجلة في كتاب الله تعالى حتى يوم الناس هذا, تقرع آذان العلماء والأدباء والشعراء والبلغاء على اختلاف نحلهم ومذاهبهم, في كل عصر وقرن.
انه أغرب تحد في التاريخ، وأكثره إثارة للدهشة، فلم يجرأ أحد من الكتاب في التاريخ الإنساني ـ وهو بكامل عقله ووعيه ـ أن يقدم تحديا مماثلا، فإن مؤلفا ما لا يمكن أن يضع كتابا، يستحيل على الآخرين أن يكتبوا مثله، أو خيرا منه..فمن الممكن إصدار مثيل من أي عمل إنساني في أي مجال, ولكن حين يدعي أن هناك كلاما ليس في إمكان البشر الإتيان بمثله، ثم تخفق البشرية‼؟ على مدى التاريخ في مواجهة هذا التحدي، حينئذ يثبت تلقائيا أنه كلام غير إنساني، وأنها كلمات صدرت من المنبع الإلهي Divineorigin، وكل ما يخرج من المنبع الإلهي لا يمكن مواجهة تحدياته"
وهذا هو برهان التجربة والمشاهدة، وهو الذي عناه الخطابي في كتابه:" بيان إعجاز القرآن" عندما قال:
" ...والأمر في ذالك أبين من أن نحتاج إلى أن ندل عليه بأكثر من الوجود القائم المستمر على وجه الدهر، من لدن عصر نزوله إلى الزمان الراهن الذي نحن فيه" (1)
ولأن القرآن نزل على محمد صلى الله عليه وسلم فقد ابن مسعود رضي الله عنه قال قال لي النبي صلى الله عليه وسلم اقرأ علي القرآن فقلت يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل قال إني أحب أن أسمعه من غيري فقرأت عليه سورة النساء حتى جئت إلى هذه الآية:
{ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} النساء,الآية:41
قال حسبك الآن فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان). متفق عليه,
فالإنسان الذي يستمع قد يكون أقرب إلى تدبر القرآن من القارئ فالقارئ تجده يركز على ألا يخطئ في القراءة والمستمع يتدبر ويتأمل..
وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على التغني بالقرآن وقال:
(من لم يتغن بالقرآن فليس منا), البخاري,
قال العلماء وهذه الكلمة لها معنيان الأول ( من لم يتغن به ) أي من لم يستغن به عن غيره بحيث يطلب الهدى من سواه فليس منا. فهذا لا شك أن من طلب الهدى من غير القرآن أضله الله.
والمعنى الثاني ( من لم يتغن):
أي من لم يحسن صوته بالقرآن فليس منا فيدل على أنه ينبغي للإنسان أن يحسن صوته بالقرآن وأن يستغنى به عن غيره والله أعلم.(2)
من هذه الأحاديث النبوية يجوز للإنسان أن يطلب من شخص قارئ أن يقرأ عليه ولو كان هذا القارئ أقل منه علما لأن بعض الناس يعطيه الله تعالى حسن الصوت وحسن الأداء ومن هؤلاء صاحبنا الشيخ عبد الله كامل فقد أعطاه الله صوتا يأخذ بالألباب ويدمع العيون وكأنه من مزامير داود عليه السلام افتح الفيديو:
https://www.youtube.com/watch?v=R9obDv4RJ_Y
هذه هي النهاية الحتمية لكل البشر.. قد نتصور هذا المشهد إذا أخذنا وقائع الأحداث لمشاهداتنا عبر مسيرتنا الحياتية وقد متعنا الله في هذا الزمن بوسائط الصوت والصورة وتصوير الأحداث وإعادتها كشريط فيلم لذا يجب علينا أن نتعظ ونعمل قبل ذالك اليوم الذي لن ينفع المال ولا الولد حتى ولو كان هذا الابن رسولاً مقربًا من أولي العزم من الرسل كما حدث مع إبراهيم وأبيه.. فقط الذي ينفع الإنسان أن يلقى الله بقلب سليم يقول تعالى:
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ سورة الشعراء:88_89
قال ابن عباس: "هو القلب الحَيي يشهد أن لا إله إلا الله"، وقال مجاهد هو الخالي من الشرك"، وقال غيرهم: "هو القلب الصحيح"، وهو قلب المؤمن,,
وتأكيدا لهذا يرى البعض أنه لكي نصل إلى القلب السليم يجب أن نقيم الصلاة كما أمر الله وأن تكون لنا قرة عين
كما كانت لحبيبنا رسول الله، ثم نقرأ القرآن ونتدبره ونعمل بما فيه ليكون وبحق منهج حياتنا وربيع قلوبنا.
أما عن مقياس سلامة القلب فهو: أن نجد السعادة واللذة في القرب من الله وفي الوقوف بين يديه وأن تشعر بالضياع والهلاك إذا فرطنا في حقه تعالى(3).
فليختبر كلما منا نفسه خاصة إذا استمع إلى هذه التلاوة التي تأخذ بالألباب وتدمع العيون‼
الهوامش:
1ـ): للاستزادة أرجع الى كتابنا: دين الفطرة:استنطاق الرياضيات والفيزياء بلغة انسانية,المرابط ولد محمد لخديم,تصدير الأستاذ الدكتور محمد المختار ولد أباه, رئيس جامعة شنقيط العصرية والشيخ الدكتور أمين العثماني عضو اللجنة العلمية والتنفيذية للأكاديمية الهندية بدلهي الهند,تقديم:الأستاذ الدكتور:أحمدو ولد محمد محمود,رئيس قسم الفيزياء بكلية العلوم والتقنيات جامعة أنواكشوط,والمفكر الاسلامي,سمير الحفناوي جمهورية مصر العربية,الطبعة الأولى الأكادمية الهندية بدلهي سنة 2010م الطبعة الثانية:دار المعراج,دمشق/بيروت سنة 2014م, الصفحات:305_310.
2ـ): الموسوعة الشاملة (بالتصرف).
3): موقع طريق الإسلام (بالتصرف).