قد تكون النصوص حقيقة افتراضية أو كامنة باعتبار أن القارئ له إسهام مكافئ في الأهمية أثناء تفاعله مع النص بغية تأويله وخلق صوره المتخيلة ، فليس بمقدور أي نص مواصلة الحدوث والتبدي بذاته إلا إذا قام قارئ أو متلقي بقراءته وفق ما تعتقد نظرية " التلقي والتقبل " الألمانية التي تركز على القارئ .
ومع أن هذه الرؤية قد ثارت على المناهج التقليدية التي انصب اهتمامها على المعنى باعتباره جزء من الحقيقة المطلقة ، إلا أنها استجابت لحاجة " أفق التوقعات "، وحملت معها نموذجا استبداليا جديدا يتجاوز النماذج السابقة ، وركزت كذلك على توقع القارئ وفق معطيات تقوم على ثنائية القارئ والنص ، أوالتحقق والتأويل ، معتمدة في ذلك على مفهوم " اندماج الآفاق " .
ومع ذلك فإن الاهتمام بالقارئ قد ظهر قبل نظرية التلقي والتقبل ، فالشاعر أو الكاتب يفترض في الغالب قارئا ويكتب من أجله ، فتحت عنوان " لمن نكتب ؟ " ، يبرز بوضوح الانشغال المبكر لدى الفيلسوف الوجودي "جون بول سارتر" بمسألة القارئ ، إلا أن هذا الاهتمام التاريخي بالقارئ بقي في طور البدايات ولم يسفر عن تصور نسقي لهذه العملية ، لذلك نجد أحد الشعراء يقول :
عليّ نحت المعاني من معادنها *** وما عليّ إذا لم تفهم البقر.
غير أن بعض منظري وسائل الإعلام قد طوروا مفهوم المنفعة والبهجة ، الذي يركز على طريقة الاستخدام والتأثير في الوسائل الإعلامية لا على تأثيرها ، كما أوجدوا خطا موازيا بين نظرية المنفعة ونظرية التلقي والتقبل التي تركز على القارئ ، ومعنى ذلك أن هذه النظرية الأخيرة يمكن الاستفادة منها في مجالات أخرى مثل السياسة والإعلام .
وإذا تأكد هذا فإن النصوص المشحونة بالقضايا الوطنية - بما في ذلك مسألة المأموريات وغلاء الأسعار ، والأمن في البيوت إضافة إلى انتهاك المادة 6 من الدستور التي تنص على أن اللغة الرسمية هي العربية - قد تفترض أن قراءها هم المواطنون على اختلاف مشاربهم ، وصناع القرار باعتبارهم معنيون بتنفيذ تلك الأفكار والمقترحات ، الهادفة إلى بناء دولة ديموقراطية حديثة وقوية ، قادرة على أن توفر لشعبها الأمن والعدالة ، وتضمن للمواطنين حياة كريمة ، بعيدة عن الذل والتبعية للغة الأجنبي التي تحمل ثقافات رخيصة ولها باع طويل في محاربة ديننا الإسلامي الحنيف ، ولغته العربية الخالدة ، التي لا زال الشعب الموريتاني يناضل من أجل ترسيمها دون سواها ، حتى تصبح هي لغة الادارة والعمل ، في ظل دولة القانون ، التي تقيم التوازن بين ضرورات السلطة ، وضمان الحقوق والحريات العامة ، مع اشتراط تبريرات منطقية ، توفر المصداقية ، والشفافية في أفعال الدولة .
ومن خلال هذه الرؤية فإن صناع القرار في موريتانيا كان عليهم أن يمنحوا الوجود للمنشورات التي تعج بها الساحة الثقافية والإعلامية والسياسية ، لأن النصوص لاتدب فيها الحياة إلاإذا كانت موضوعة للإدراك ، وتم تجسيدها في كل مرة عبر عمليات ملء الفراغات والبياضات وتحديد ما هو غير محدد ، ومن ثم فإن سيل المقالات التي تنحاز للضعيف ، ينبغي أن تجد آذانا صاغية ، كي لا يضطر بعض المواطنين إلى الاقتداء بما فعله بطل رواية (البؤساء ) لـ فكتور هوكو ، " جان فالجان " الذي سرق خبزا من أحد الافران من أجل إطعام أطفال أخته ، الذين عانوا من الجوع الفاحش ، وتبعا لذلك لبث في السجن 19 سنة .
وإذاكان البؤس سببه الأساسي هوالفساد والجشع ، فإن أصحاب هذه النصوص الوطنية قد نبهوا صناع القرار في بلادنا على خطورة اتباع سياسة " مبدأ عدم تدخل الدولة " ، وخطورة ذلك الشعار الليبرالي الآخر القائل : "دعه يعمل دعه يمر" باعتبار أن الجشع ليس له حدود ، ويجب التصدي له من خلال تعاليم ديننا الاسلامي الحنيف ، والاستفادة من التجارب الكونية التي يتبنى أصحابها العدالة الاجتماعية .