ليست مبادرة رئيس الجمهورية لتصحيح مسار حزب الاتحاد من أجل الجمهورية أولى مبادراته الإصلاحية سياسيا واقتصادية واجتماعيا وأمنيا ودبلوماسيا.. وليس مسار الحزب، كحزب حاكم، إلا جزء من مسار البلد بجميع جوانبه. ولا شك أن الحزب كان بحاجة لهذه اللفتة من الرئيس الذي وإن كان لم يفرض على أطره وقادته تفاصيل دقيقة لإعادة تفعيله، إلا أنه بلا شك نبههم على حالهم، وعلى ماذا يجب أن يكون عليه حزب حاكم كواجهة سياسية
لرؤية بعيدة ومشروع طموح، وما يتطلبه ذلك من عمل غير تقليدي يواكب المرحلة، ويحمل المشروع.
ومع أنني لا انتسب لهذا الحزب، وإن كنت أنتمي إليه كونه واجهة سياسية لرؤية ومشروع آمنت به، بعد إيماني طبعا بوحدانية الله تعالى وبملائكته وكتبه ورسله.. وبالتالي تهمني قوته وحضوره وقدرته الدائمة على مواكبة ومواصلة هذا المشروع، وقد وددت لو تمكنت من المشاركة في ورشاته التشاورية لطرح بعض الأفكار التي أرجوا أن تكون وجدت من طرحها في غيابي، وليس طرحها فقط، بل واعتمادها أيضا ضمن ما توصلت إليه اللجان من أفكار ومقترحات، ولأن حضوري تلك الورشات تعذر، مع أنني سجلت معلوماتي الشخصية على المنصة الرقمية التي وضعها الحزب للراغبين في إثراء ورشاته، إلا أنني وجدت أن الوقت لم يفت بعد لطرح تلك الأفكار من منابر أخرى، خصوصا أنني لم أكن أرغب في حضور تلك الورشات تعلقا بالظهور أو بحثا عن مكان أو مكانة في الحزب، إذ ليس من طبيعتي المزاحمة على كل ما يشهد زحاما ومنافسة " أرزحْ أنا من ذاك أشوي " وأكثر " خجلا " من المنصات والأضواء..
وعلى بركة الله، وكما قال رئيس الحزب الأستاذ سيدي محمد ولد محم في كلمته الافتتاحية لهذه الورشات، على لظى ونار النقد الذاتي، سأبدأ طرح ما كان يدور في ذهني من ملاحظات على عمل هذا الحزب، ولن أتطرق للوضعية الداخلية له وكيفية عمله وتنظيمه وتعاطيه لأموره الداخلية والتنظيمية، ولا ما يدور من حديث عن تماسكه وتجاذباته، أولا لعدم إلمامي بذلك، وثانيا لإدراكي لصعوبة بل واستحالة الانسجام الكامل بين أفراد أسرة واحدة من خمسة أفراد فما بالك بإطار سياسي كبير، فلا يوجد حزب سياسي يسوده الانسجام التام، وإنما العبرة بذلك الحد من الانسجام الذي لا يعيق السير في طريق تحقيق الأهداف الكبرى.. وسأركز على العمل الميداني للحزب وتعاطيه مع الأحداث وعن، وهذا أساسي جدا، زبدة العمل السياسي الذي ليست ممارسته هدفا في حد ذاتها، وإنما الهدف هو ضمان أكبر عدد من المنتمين وليس المنتسبين فقط، وليس ضمان هذا العدد الكبير من المنتمين هدفا هو الآخر إذا لم ينعكس بشكل دائم على مؤازرة المشروع الذي يحمله الحزب في صورة منتخبين هم الظهير لأي حامل مشروع رئيسا كان أو حزبا سياسيا..
ومن حسن الحظ أن الحزب أدرك أنه يعاني من غياب سياسة إعلامية، وأنه خصص إحدى ورشاته لرسم سياسة إعلامية جديدة، وعليه فعلى الحزب العمل على :
( 1 ) ـ الحضور الإعلامي الكبير والآخذ في الاعتبار عقلية المجتمع وثقافته وما يفهمه وما يتطلع إليه، لكن الحضور المبتعد أيضا عن اللغة الخشبية، الحضور الإعلامي المُبادر وبأساليب مبتكرة، والإقلاع عن النمطية والجمود على تلك السياسات الإعلامية التي ربما كانت تصلح في عهود أخرى ولم تعد صالحة للمرحلة، حيث أصبح كل شخص في بيته أو في الشارع أو في المحل التجاري قناة إخبارية قائمة بذاتها، يُصور ويسجل ويكتب وينشر.. صحيح أن ما ينشره قد لا يكون بمصداقية ما تنشره وسائل الإعلام المعتمدة والمضبوطة بشروط وأخلاقيات، ولكنه ينشر ويصور وله متابعون يلتقطون كلما ينشره، وقد يكون هدفه مما ينشره دعائيا في المقام الأول، لكن ذلك لا تتم مواجهته بالقول هذه دعاية ونحن لا تهمنا الدعاية، بل ينبغي أن تكون هناك مراصد للدعاية والتصدي لها فورا.
وأحيانا لا يكون الأمر يتعلق بداعية وإنما بحقائق ماثلة، وكمثال، تذكرون أنه قبل ثلاث سنوات ضربت حمى " الضنك " سكان مقاطعة تيارت، وفي الوقت الذي كان المواطنون متكدسون في المركز الصحي للمقاطعة يتلقون الحقن في الممرات وفي العراء، لم يتعرض الإعلام العمومي لهذه الوضعية، ولم يصدر أي بيان ولا توضيح من وزارة الصحة حول هذه الحمى الطارئة وطبيعتها وكيفية التعامل معها، ولم تقم بإجراء لتوفير سيارات الإسعاف لنقل المرضى الذين لم يجدوا أسرة في المركز إلى مراكز صحية أخرى لتلقى العلاج كتعامل مع حالة وبائية طارئة، بينما ترك المجال لوسائل الإعلام الأخرى ووسائل التواصل الاجتماعي للتعاطي مع هذه الوضعية كل حسب أغراضه! صحيح أن المسؤولية هنا هي مسؤولية الوزارة والحكومة، ولكننا سنأتي لدور الحزب في هذا المجال، ففي السنة الموالية ضربت نفس الحمى مقاطعة عرفات، وتكدس المواطنون المصابون أيضا في مستشفى الصداقة، فأصدر حزب " التكتل " بيانا حول هذه الوضعية مطالبا الحكومة بالتدخل للحد من معاناة المواطنين، فما كان من حزب الاتحاد من أجل الجمهورية إلا أن رد ببيان يفند فيه انتشار هذه الحمى ويحذر حزب " التكتل " من الدعاية!! أية دعاية والمواطنون متكدسون على أسرة المستشفى وفي ممراته وساحاته..؟! كان على حزب الاتحاد هنا أن يكون هو أول من يصدر بيانا حول الوضعية منبها الحكومة وحاثا لها على التدخل، تتدخل الحكومة بعد ذلك أو لا تتدخل فتلك مسؤوليتها وهذا دوره، بل ولم لا يتطوع بسيارات إسعاف لنقل المرضى وتوزيعهم على مستشفيات أخرى بها أسرة وغرف حجز خالية؟ مثل هذه التدخلات أهم بكثير وأعمق أثرا من عمليات الإفطار الجماعي التي دأب الحزب على تنظيمها..!
( 2 ) ـ على الحزب أيضا أن يدرك ويتفهم أن كل الأحزاب السياسية، وخاصة منها تلك الحاكمة، تعاني من سوء سمعة وتدني زمني للمصداقية ومحل تشكيك دائم، فهذا قدرها وأحد إكراهاتها، وقد لا يكون ذلك ذنب الحزب الحاكم اليوم لأنه على الأقل يختلف عن الأحزاب الحاكمة السابقة في كثير من النواحي، ولكنه ذنب تلك الأحزاب السابقة بتعاطيها مع الشأن العام وعلاقاتها بالجماهير، وكونها لم تكن سوى سلما للصعود للمناصب والمكاسب الشخصية والامتيازات! فهذا هو ما انطبع في أذهان الناس عن هذه الأحزاب وما لم تر ما يختلف عنه فسيظل ذلك الانطباع قائما وراسخا، وأن استعادة تلك المصداقية لا يتم بالكلام، بل بالكثير من العمل الميداني المقنع والمختلف جذريا عن أسلوب الأحزاب الحاكمة السابقة ومسلكيات قادتها وأطرها، عمل يُثبت للناس وبشكل حقيقي، لا تكتيكي ولا مرحلي، بأن الحزب في خدمتهم وليس خدمة قادته وأطره، وهذا يقودنا إلى اختيار هؤلاء القادة والأطر بحيث يكونوا من طراز مؤمن بهذه المفاهيم ومستعدون للتضحية بوقتهم وجهدهم ومصالحهم الشخصية من أجل تجسيد هذه المفاهيم أولا وترسيخها ثانيا، وعندما يكون ذلك هو النهج فستصبح للحزب آليته التلقائية الطاردة أو " اللافظة " لغير المؤمنين بهذه المفاهيم، الجامدين على مفاهيمهم السابقة للحزب الحاكم وتعاطيهم معه كمطية لخدمة الذات، لا كمشروع لخدمة الناس!
( 3 ) ـ أن يكثف ويعزز أكثر من العناية التي يمنحها للشباب، ولكن يدرك أيضا أن هناك شريحة من هذا الشباب، من عمر 18 ـ 25 سنة بحاجة كبيرة ومستعجلة للتعبئة والاحتضان لأنها شريحة تائهة، لا تدرك ماذا يجري في البلد ولا تعلم شيئا عما تحقق فيه، ولا تمتلك مرجعية تمكنها من قياس وتقييم التغير الحاصل في البلد، فهي عندما كانت ظروف البلد في الوضعية التي نعلمها جميعا، كانت في ذلك الوقت صغيرة السن غير مدركة، وعندما بلغت الحلم فتحت أعينها على عالم المعلوماتية وسيولها الجارفة من الصور والمعلومات المبهرة عن العالم الآخر، فاعتقدت أنه هكذا يجب أن يكون الحال في البلد، دون إدراك منها لما أخذه ما يبهرها في العالم الآخر من وقت وجهود وتراكم مكتسبات.. خصوصا أن هذا العمر من الشباب خاضع لدعاية الطرف الآخر المتفرد بعالمهم هم الخاص حتى الآن، أي وسائط التواصل الاجتماعي، فيقولون لهم إنه بإمكان بلدكم أن يكون كهذه البلدان وأحسن لكنه فقط لم يجد نظاما جادا لجعله كذلك، ويرددون على آذانهم، بل وعلى آذان الفئات الشبابية التي تكبرهم سنا، والطبقات الأخرى غير المتعلمة، يرددون على آذانهم الجملة السطحية والممجوجة التي تقول ( بلد غني وشعب فقير ) في الوقت الذي لا تجد هذه الشرائح والفئات من يتحدث لها بموضوعية ولغة تفهمها عن التنمية وعن أسسها ومتطلباتها وأولوياتها، وكثيرا ما أدخل في نقاشات مع هذه الشرائح فأجدها لا تتطلب غير من يفقهها ويشرح لها..
كما أن هذه الشريحة من الشباب، على أهميتها ووزنها، ظلت دائما خارج الفعل السياسي من حيث مشاركتها وتصويتها في الانتخابات باعتبارها يحق لها التصويت، وبإمكانها إمالة كفة على أخرى.. والغريب أن جزءا من هذه الشريحة من الشباب هي أبناء لرجال تراهم منخرطون في الحزب وأطر في الدولة وداعمون بقوة للنظام، لكنك تجدهم يذهبون في الصباح للتسجيل على اللوائح الانتخابية أو للتصويت في الانتخابات ويتركون أبناءهم والمقيمين معهم من الأقارب البالغين سن التصويت نائمون في البيوت وكأن الأمر لا يعنيهم..!
( 4 ) ـ أن يكون أكثر حضورا وميدانية في المقاطعات بل وفي الأحياء الشعبية وذلك بفتح مقرات دائمة في كل حي، ولا نعني بمقرات دائمة بالضرورة قصورا مزخرفة ومؤثثة، وإنما مجرد قاعة واحدة تكون فضاء للتعبئة والتوجيه والتأطير، ورصد هموم وتطلعات الناس، وحمل مشاكلهم للجهات المختصة ومتابعة حلها، ولا نتوقع أيضا أن الحزب سيكون قادرا على حل كل مشكلات الناس أو تلك منها التي تتطلب موارد كبيرة لا تقدر عليها سوى الدولة، ولكن أحيانا تكون هناك مشكلات بسيطة لا تتطلب موارد ولا جهودا كبيرة وإنما تتطلب فقط من يطرحها ويتابعها.. وأحيانا تكون هناك منشأة مهمة وحيوية في مقاطعة أو في حي، ولكن هناك مشكل بسيط يحد من فاعليتها ومن نوعية الخدمة التي تقدمها ويحتاج ذلك المشكل لمن يرفعه.. وأن لا نقول هذا دور ومسؤولية الإدارة المحلية، فلو كنا ذلك البلد الذي يتحمل كل فيه مسؤوليته ويقوم بدوره دون انتظار للتعليمات لسارت الأمور بشكل أفضل لكن، ولأننا لسنا ذلك البلد ولا ذلك المجتمع، فلا بد من مبادرات ونشاطات غير تقليدية قد لا يراها حزب سياسي حاكم من مهامه ومسؤولياته..
( 5 ) ـ على الحزب أن يظل في مواكبة ومتابعة دائمتين لمنتخبيه وخاصة العمد منهم باعتبارهم الأكثر ارتباطا بمصالح الناس، فالمشاهَد والمُعاش هو أن أغلب العمد المحسوبين على الحزب الذي هو من رشحهم ودعمهم للوصول لمناصبهم، يعتبرون أن الأمر لا يعدو كونه إكرامية أو تشريفا لهم لا تكليفا، فلا يقدمون أية خدمات للناس، بل ولا يتواجدون في مكاتبهم على الأقل لتلقي مشاكل الناس وهمومهم، مع التحفظ من التعميم طبعا، ومن النادر أن ترى أيا منهم في شارع أو ساحة أو منشأة خدمية يقوم بأي شيء مما انتخب من أجله. فحتى ولو كان العمدة بمجرد أن يتم انتخابه يصبح تابعا لوزارة الداخلية التي هي من تراقبه وتفتشه إذا كانت تقوم بذلك أصلا، إلا أنه ينبغي أن تكون للحزب أيضا آليته لمراقبة عمل منتخبيه وما يقدمونه للناس من خدمات، وذلك بتشكيل لجان مختصة لزيارة هؤلاء العمد في مقرات بلدياتهم بشكل دوري والطلب منهم تقديم خطط عمل ومتابعة ما أنجز منها وما لم يُنجز، طبقا بالطبع للموارد المتوفرة لديهم، فأحيانا حتى العمال الرسميين لبعض هذه البلديات لا يجدون رواتبهم لأشهر متتالية!
وخلال جولة رئيس الجمهورية الأخيرة في ولايات نواكشوط، أضطر عمال إحدى البلديات لأن يستنجدوا به لأنهم لم يتلقوا رواتبهم منذ سنة وبعضهم منذ أزيد من ذلك، فأعطى الرئيس تعليماته للعمدة بدفع رواتب العمال، وبعد أيام قليلة سُددت لهم رواتبهم مما يعني أن العمدة كان قادرا ماديا على دفع هذه الرواتب لكنه فقط لا يريد أو لا يلقي بالا لحقوق الناس! فأي خير أو رصيد أو سمعة مرجوة من مسؤول يضن حتى برواتب بسطاء عماله ودعك من تقديمه لأي خدمات أخرى؟ وإلى متى يعتقد مثل هؤلاء أن الناس ستظل تخدمهم وتعبدهم لذواتهم مع تقصيرهم في خدمتها أو على الأقل منحها حقوقها؟! لذلك من الضروري إلزام هؤلاء المنتخبين بخدمة منتخبيهم، وأن لا تكون معاقبة الحزب لمنتخبيه هي فقط عدم ترشيهم للمناصب في دورات قادمة ( طبيب بعد الموت )!، وأن لا يقدم لهذه المناصب إلا من سيشعر الناس معه بالفرق في طريقة تعامله وتعاطيه معهم وما يقدمه لهم من خدمة، ليس في الأشهر الأولى لانتخابه وإنما طوال مأموريته.. صحيح أن المنتخب هو هناك لخدمة الناس في المقام الأول أو هكذا يفترض، ولكن يفترض أنه أيضا من خلال سلوكه وعمله وكفاءته يجمع نقاطا ويصنع سمعة طيبة للحزب الذي يمثله..
( 6 ) ـ أن ينفتح الحزب على النخب الفكرية والثقافية والأدبية والإعلامية والطلابية والشبابية المستقلة، التي هي ربما مُتحفظة أو محرجة من الانتماء لحزب حاكم بسبب سمعة ومصداقية وتاريخ الأحزاب الحاكمة السابقة الذي تحدثنا عنه أعلاه، خصوصا تلك النخب التي لا تريد من الانتساب للحزب شهرة سياسية أو امتيازات مادية، بقدرما ترغب في المشاركة في بناء بلدها عن طريق جهودها وأفكارها وتجاربها، وليكون الحزب هو من يقطع نحوها خطوات ويطرق أبوابها ويستشف منها ما الذي تراه سببا في تحفظها أو مانعا من انخراطها في هذا المشروع ويطمئنها، فعلا وسلوكا لا قولا وكلاما، على أن الحزب لم ولن يعد ذلك التجمع من الأطر الذي لا شغل ولا هدف له غير " التكطاعت " للحظوة والامتيازات، وإنما هو ملتقى لكل الأفكار والجهود والآراء الصابة كلها في تنمية البلد والنهوض به، رحبا ومرحبا وجاذبا ومستوعبا لكل أصحاب تلك الأفكار والآراء والجهود..
( 7 ) ـ أن ينتهج الحزب في حملته القادمة للانتساب نهجا جديدا ليس نهج الانتساب لهياكل تهذيب الجماهير، ولا حتى النهج الذي اتبعه الحزب في أول وآخر عملية انتساب ينظمها قبل سنوات، بجلب مجموعات بشرية طبعها و " أعماها " التنافس على تشكيل الوحدات القاعدية عن تنظيم عملية انتساب حقيقية، والقيام هذه المرة بعملية انتساب متوازية مع عملية تعبئة سياسية توضح للناس ما هو الحزب السياسي وما معنى الانتساب له وما الهدف منه؟ وأنه، أي الحزب الحاكم، ليس حكومة ولا جهة تنفيذية منوط بها تسيير شؤونهم وحل مشكلاتهم، وليس أيضا هيئة خيرية توزع العون والمساعدات، وإنما هو إطار سياسي جامع للمهتمين والمتعلقين بنهج ومشروع سياسي ومجتمعي معين، لكن لا غنى عنه في الأنظمة التعددية الديمقراطية ولا غنى له أيضا عن انتسابهم ودعمهم له ليكونوا سندا وظهيرا لذلك المشروع لبقائه ومواصلته للمكتسبات التي حققها والتي، أي المكتسبات، يجب أيضا إبراز ما تحقق منها وما هو في الأفق موازاة مع عملية الانتساب نفسها.. ليكون شعار حملة الانتساب هذه ( توصيل الخطب ثم الانتساب ) واختيار المُلمين بهذه المكتسبات القادرين على توصيل ذلك الخطاب لكن بعيدا أيضا عن اللغة الخشبية، أو إعدادهم وتأطيرهم مسبقا قبل نزولهم لساحات الانتساب.
( 8 ) ـ وبالعودة لزبدة العمل السياسي التي تحدثنا عنها أعلاه، وقلنا إنها ليست تشكيل أحزاب ونشاطات لا تكون ذات قيمة إذا لم تنعكس في صورة كتلة ناخبة، تمكن من المحافظة على مكانة سياسية لا في الشارع ولا على لوائح الانتساب، وإنما في المناصب الانتخابية بدء بالرئيس وانتهاء بالمجالس البلدية.. ولذلك على الحزب أن يرسم خطة لحملاته المستقبلية تختلف جذريا عن حملاته السابقة المقتصرة على المظاهر والخيم والأرائك والموسيقى والأضواء.. التي تجذب جموعا من المتفرجين والفضوليين الذين هم في الغالب لا ينتمون للحزب، أو ليسوا في سن التصويت، أو في سنه لكنهم غير مهتمين، أشبههم دائما بالفراشات التي تتجمع حول المصابيح ليلا لاكتساب الطاقة منها وتتفرق إلى مخابئها مع خيوط الفجر.. والاستعاضة عن تلك البهرجة بالعمل الميداني في الأحياء وفي أماكن تجمع المواطنين من أسواق ومحطات نقل وغيرها لتعبئة الناخبين وتعريفهم بالمرشحين، والأهم من ذلك كله التأكد من قدرتهم على التصويت بشكل صحيح، فأذكر أنه في نيابيات 2013 زاد عدد البطاقات اللاغية عن 250 ألف بطاقة، وقلت حينها إنني متأكد من أن الغالبية العظمي من تلك البطاقات كانت لناخبي حزب الاتحاد من أجل الجمهورية لتقصيره الكبير في تفقيه ناخبيه حول طريقة التصويت، وللنشاط الميداني المكثف لبقية الأحزاب الأخرى وتركيزها في حملاتها الانتخابية على أن لا تخسر صوتا لاغيا..!
وفي الختام أعود وأكد على الأهمية البالغة لوضع الحزب لسياسية إعلامية جديدة نشطة وحاضرة وفاعلة ومواكبة، ونتمنى بعد أن يضع تلك السياسة الإعلامية أن " يتنفس ويعطس " كثيرا بالقرب من وسائل الإعلام العمومية لعله يصيبها بعدوى سياسته الإعلامية الجديدة، فما أحوجها هي الأخرى لسياسة إعلامية جديدة، إلى درجة يمكننا القول معها إن كل شيء في البلاد تغير إلى الأحسن إلا الإعلام الرسمي، بجموده واعتقاد القائمين عليه أن ما لم يتطرق له هذا الإعلام ويناقشه من أحداث وأوضاع سيبقى طي الكتمان لا يطلع عليه ولا يلاحظه أحد، ولا نستطيع أن نصدق أو نتخيل أن القائمين عليه لا يدركون ما يدركه أغبى الناس اليوم من أن المرحلة والظرف والسياق لم يعودوا مرحلة ولا ظرف ولا سياق تعتيم، بعد أن أصبح كل شخص كما أسلفنا، وفي أي مكان، قناة إخبارية قائمة يرصد ويشاهد ويسجل ويوثق بالصوت والصورة.. وإذا كان الأمر يحتاج إلى غمزة أو قرصة أو وخزة من رئيس الجمهورية كالتي بادر بها اتجاه الحزب.. فنطالبه ونرجوه التعجيل بذلك لمدى الحاجة إليه في خلق إعلام عمومي يخدم المشروع ولا يضره بالتعتيم والبعد عن هموم الناس ووضع الأصبع على مكامن الخلل في جميع المجالات، فإذا كان القائمون على هذا الإعلام يعتقدون أنهم بهذه السياسة الإعلامية الجامدة يخدمون النظام ونهجه ومشروعه فهم مخطئون، بل هم يضرونه ولا ينفعون، سواء كان ذلك بشعور أو بدون شعور!