السنغال وموريتانيا: تعاون متزايد بين التحديات الاقتصادية والشراكات الاستراتيجية

4. فبراير 2025 - 11:25

في سياق إقليمي تتعزز فيه العلاقات التاريخية بين السنغال وموريتانيا يوما بعد يوم، توضح سلسلة من الأحداث الأخيرة ظهور تعاون على نطاق غير مسبوق. ومن خلال الاجتماعات المنتظمة والاتفاقيات الثنائية والمشاريع المشتركة، تعمل هاتان الدولتان بنشاط على بناء علاقات قوية ودائمة في القطاعات الاستراتيجية الأساسية. وبحسب أحدث الإحصائيات، فانه من المتوقع أن يرتفع حجم التجارة بين البلدين بنسبة 15% في عام 2024، وهو ما يدل على ديناميكية إيجابية.

وقد شكلت الزيارة الرسمية الأخيرة التي قام بها الرئيس السنغالي باسيرو اديوماي افاي إلى موريتانيا نقطة تحول. وكانت هذه أول زيارة رسمية له منذ انتخابه، وحظيت باهتمام خاص، سواء في السنغال أو على الصعيد الدولي. وكان هذا اللقاء محل ترحيب واسع من قبل وسائل الإعلام الموريتانية والسنغالية والدولية، التي أبرزت نجاح هذه القمة التاريخية بين الرئيس السنغالي وفخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية والرئيس الدوري للاتحاد الأفريقي.

تعزيز العلاقات التاريخية والاستراتيجية

وخلال هذا اللقاء، وقع رئيسا البلدين اتفاقيات تهدف إلى تعزيز التعاون الثنائي في عدة قطاعات رئيسية. وعلى وجه الخصوص، احتلت قضايا الأمن والدفاع مركز الصدارة، حيث اتفق البلدان على تكثيف الجهود المشتركة لمكافحة التهديدات العابرة للحدود، كتهريب المخدرات والجماعات الإجرامية التي تعمل عبر حدودهما المشتركة. ويعد هذا النوع من الالتزام أمرا بالغ الأهمية، حيث واجهت المنطقة زيادة بنسبة 30% في الاتجار بالمخدرات خلال السنوات الخمس الماضية وفقا لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة،.

كما ركزت فضلا على ذلك، المناقشات على التعاون الاقتصادي، مع التزامات ثابتة بتعزيز المشاريع المشتركة في قطاعات حيوية كالصيد والطاقة والبني التحتية للنقل. وكان أبرز ما ناقشه هذا الاجتماع هو التركيز على الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية، وخاصة في قطاعي المياه والطاقة، وهما المجالان اللذان يعتبران حاسمين للتنمية طويلة الأمد لكلا البلدين.

الجالية الموريتانية في السنغال: فاعل أساسي في التنمية

لقد تمكنت خلال إقامتي في داكار، من التحدث مع السفير محمد أحمدو ولد أحمدو ومستشاره الدبلوماسي محمد خطار، اللذان أكدا لي أن الجالية الموريتانية في السنغال تعيش فترة يطبعها الازدهار. وتلعب الجالية الموريتانية المكونة من موظفين مدنيين دوليين وتجار ومنمين ومشغلين اقتصاديين، دوراً رئيسياً في الاقتصاد السنغالي. وبحسب السفارة الموريتانية، يعيش ويعمل حاليا في السنغال نحو 25 ألف موريتاني، مما يساهم بشكل كبير في النمو الاقتصادي. وبالإضافة إلى ذلك، تواصل السفارة العمل على تحسين اندماجهم من خلال ضمان سلاسة التبادل ودعم مشاركتهم الفعالة في المجتمع السنغالي.

زيارات رفيعة المستوى لتعزيز العلاقات الثنائية

وتعزز التعاون بين البلدين بفضل العديد من الزيارات الدبلوماسية رفيعة المستوى. وقد قام في الاطار رئيس الوزراء السنغالي عثمان سونكو مؤخرا بزيارة رسمية إلى موريتانيا، حيث تم التوقيع على اتفاقيات مهمة، خاصة في مجال الصيد البحري. وفي أعقاب هذه الزيارة، وافقت موريتانيا على زيادة عدد تراخيص الصيد الممنوحة للصيادين السنغاليين بنسبة 20%، وهي لفتة رحب بها فاعلو الصناعة في سانت لويس، الذين يرون في ذلك فرصة لتحسين إدارة أنشطتهم.

وفي الآونة الأخيرة، أدي عدد من الوزراء السنغاليين أيضًا بزيارات مهمة إلى موريتانيا، وهو ما ساهم في تعزيز العلاقات الثنائية بشكل أكبر. على سبيل المثال، قام وزير التنمية الريفية بزيارة إلى سانت لويس، وهي نقطة استراتيجية للتعاون الزراعي بين البلدين. وقد أتاحت الزيارة فرصة لمناقشة المبادرات الجديدة لتحسين إدارة الأراضي والموارد الزراعية في المناطق الحدودية، مع التركيز بشكل خاص على الري والأمن الغذائي، وهما مجالان رئيسيان بالنسبة للسنغال وموريتانيا.

وعلاوة على ذلك، قام وزراء الطاقة والمعدات بزيارات عمل إلى موريتانيا لاستكشاف سبل جديدة للتعاون في قطاعي الطاقة والبنية التحتية. وقد أتاحت هذه التبادلات إرساء أسس مشاريع مشتركة في مجال الطاقات المتجددة، وخاصة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، فضلا عن تطوير البنية التحتية للطرق والموانئ، وهي قطاعات أساسية للنمو الاقتصادي.
التنمية المستدامة لكلا البلدين.
ومن بين اللحظات الهامة الأخرى في هذا التعاون الزيارة المشتركة التي قامت بها وزيرة البيئة والتنمية المستدامة الموريتانية السيدة مسعودة منت بحام ولد محمد لغظف، ونظيرها السنغالي السيد داودا نغوم. وقد رافقهم في هذه الزيارة والي ترارزة وحاكم سانت لويس. وقاموا بعد ذلك بزيارة استطلاعية إلى منتزه دجودج الوطني، الواقع على الضفة الجنوبية لنهر السنغال، شمال شرق سانت لويس. وتعد هذه المحمية، والتي تعتبر واحدة من أهم المواقع الطيور في العالم، عنصرا أساسيا للتنوع البيولوجي عبر الحدود بين البلدين. و تندرج تلك الزيارة في إطار فعاليات النسخة الثانية من أيام دلتا نهر السنغال، التي أقيمت في حديقة دياولينغ (موريتانيا).

وتلقى الوزيران شروحات تقنية حول المنتزه الوطني دجودج الذي يأوي نحو 400 نوع من الطيور المهاجرة ويشكل موطنا طبيعيا مميزا. وقد عززت هذه الزيارة التزام البلدين بالحفاظ على البيئة والإدارة المستدامة للموارد الطبيعية، وهي أهداف أساسية للتنمية المستدامة في المنطقة.

جسر روصو: رمز للتعاون

ومن المشاريع الكبرى الأخرى التي توضح التعاون بين البلدين مشروع بناء جسر روصو، الذي يمثل عملا ضخما يهدف إلى تحسين الاتصال بين السنغال وموريتانيا. وقد قام في 2 فبراير 2025، وزير التجهيز والنقل الموريتاني، إعلي ولد فيريك، ونظيره السنغالي ينخوبا دييمي بزيارة موقع بناء الجسر، ووعدا بتوفير معدات إضافية للشركة المسؤولة عن البناء من أجل ضمان الامتثال مواعيد تسليم الأعمال المقررة في يوليو 2026.

وأكد الوزيران أن المشاكل الفنية التي واجهت المشروع، خاصة في الأساسات وطول أرجل الجسر، تم حلها. وشدد الوزير ولد فيريك على أهمية توفير المعدات اللازمة لضمان إنجاز المشروع في أسرع وقت. ان هذا الجسر لا يرمز إلى محور الاتصال المادي بين البلدين فحسب، بل يعد أيضًا أداة استراتيجية لتعزيز الروابط الاجتماعية والاقتصادية، وبالتالي تسهيل التجارة والسياحة والتنقل الإقليمي.

تعزيز التعاون الاقتصادي

كما قام لـ كما أدي المدير العام ل APIX السنغال، بكاري سيغا باتيلي، بزيارة إلى موريتانيا، بهدف تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين. وقد مكنت هذه الزيارة من وضع أسس منتدى مستقبلي بين موريتانيا والسنغال يهدف إلى تطوير مشاريع مشتركة في قطاعات استراتيجية مثل الطاقة والصناعة والتعدين والسياحة. وبحسب تقديرات حديثة، فإن هذه القطاعات قادرة على توليد إمكانات تزيد على ثلاثة مليارات دولار من الاستثمارات المباشرة على مدى السنوات العشر المقبلة، مما يعزز اقتصاد البلدين.

شراكة قوية في مجال الأمن

ولا يمكن التقليل من أهمية الجانب الأمني لهذا التعاون. إن إنشاء دوريات مشتركة بين القوات المسلحة السنغالية والموريتانية دليل على التزام البلدين بتأمين حدودهما المشتركة. ويهدف هذا التقارب العسكري إلى مكافحة تهريب المخدرات واعمال اللصوصية وغيرها من التهديدات العابرة للحدود. وفي عام 2024، نجحت موريتانيا والسنغال في تفكيك العديد من شبكات التهريب العاملة على الحدود، مما ساهم في تعزيز الاستقرار الإقليمي.

رؤية مشتركة لمستقبل التعاون

وتواصل السنغال وموريتانيا تعاونهما في العديد من المجالات الأخرى، بما في ذلك الطاقة المتجددة والتعليم العالي والثقافة والرياضة. وساعدت الاتفاقيات الأخيرة على تعزيز التجارة في هذه القطاعات، مع الشراكات في المشاريع التعليمية والزراعية، فضلاً عن المبادرات المشتركة في مجال الرياضة. ففي عام 2023، أطلقت الدولتان برنامجًا للمنح الدراسية لتعزيز الحراك الأكاديمي، حيث تم منح 500 منحة دراسية سنوية للطلاب من كلا البلدين.

مستقبل مشترك واعد

يتواصل التعاون بين السنغال وموريتانيا على نحو يتعزز، والآفاق واعدة للغاية. فمن الاقتصاد إلى الأمن مرورا بالثقافة والابتكار، تلتزم هاتان الدولتان بمستقبل مشترك حيث سيتم مواجهة التحديات من خلال التضامن المتبادل. إن الشراكة بين السنغال وموريتانيا ليست مجرد تحالف ثنائي، بل إنها تجسد نموذجا للتعاون الإقليمي يمكن أن يكون بمثابة مرجع لغرب أفريقيا بأكمله، مع إمكانات التنمية المستدامة والاستقرار المتزايد في المنطقة. وتشير الدلائل الحالية إلى أن اتحاد هاتين الدولتين سيفتح الطريق أمام فرص جديدة لشعبيهما علي مستوى القارة وخارجها

أحمد ولد بتار
Rapideinfo مع الوكالات