عرفت موريتانيا منذ الاستقلال عشرات رجال الأعمال الذين ساهموا في تحريك عجلة الاقتصاد، ومارسو شتى أنواع الإستيراد والتصدير والصناعات الصغيرة، بل وتدخلوا في حرب الصحراء مساهمين في العدة والعتاد وتغيير مواقف الرجال، غير مكترثين بما ستؤول إليه الأمور من نصر أو هزيمة، فهمهم الوحيد ماسيجنون من أرباح مادية ومعنوية.
لكن رغم تخلف العقلية وارتفاع نسبة الجشع، إلا أن هناك تصنيف تلقائي يحكم أداء رجال الأعمال في تلك الفترة، فلكل مجموعة تخصص في الإستيراد أو التصدير، وكذالك التصنيع.
وكانت الأكثرية الساحقة منهم تقر بحقوق الشغيلة كاملة ومساعدتهم اجتماعيا لدرجة تشييد أحياء كاملة كمساكن للعمال، بالإضافة إلى تقسيمات عينية في مختلف المناسبات على الأسر المتعففة، واسترضاء المغاضبين سياسيا من الأنظمة التى ينتمي إليها بعضهم، بينما يدعم المعارضون منهم التيارات والأحزاب المناوئة دون خوف على مصالحهم التجارية، لتتغير فجأة كل تلك المسلكيات مع تسلم الطبقة الجديدة ريادة الأعمال والسيطرة على اتحاد أرباب العمل الموريتانيين، فلا حقوق محفوظة للعمال ولا امتيازات للمثابرين، وغابت تصنيفات رجال الأعمال وغاب التنافس الشريف، فترى المليار دير منهم ينافس على صفقة بأقل من عشرة ملايين اوقية، كان قد استعان ببعض الموظفين الفاسدين عليها، مما سبب حقدا تلقائيا من صغار المستثمرين، كما تدخل بعضهم في الصناعة والزراعة ومشاريع الصحة وشركات الاتصال والتكنولوجيا والإعلام والمصارف والمشاتل، بل وحتى شركات القمامة، وسيطروا على كل منافذ الأعمال، مما ولد عداوة من عشرات الجبهات التي جففت لديها منابع اقتصاد وطن لاتشجع حكوماته ولامحاكمه ولالجان صفقاته التنافس الشريف، ولم يبقى أمامهم إلا الحملات الشعواء والتشويه الممنهج، مستغلين حنق المواطن البسيط، الذي يرى بنيته التحتية تكسر يوميا أمام عينيه من أجل إقامة شبكات وأعمال هؤلاء، دون أن يكلفوا انفسهم ترميمها من جديد، ودون أن تلزمهم المصالح الحكومية بذلك .
كما فقدو مصداقيتهم في الأعمال الخيرية والتكافل الاجتماعي والعون الأسري للأقربين، وأهملوا الدعم السياسي لمن يساندون، أما من يعارضون فلن تسمع منهم تبرعا لأحدهم، كما يفعل رجال الأعمال المحترمين الساعين إلى كسب ود الموالي والمعارض والناخب معا.
فماذا ينتظر مثل هؤلاء غير الهجوم اللاذع والكره الدفين، بما كسبت أيديهم من نهب لخيرات الوطن والمواطن والدولة بجبروتها، والغريب أنهم يحاولون إضفاء صفة الجهوية على تلك الحملات، متجاهلين أن المتضرر الأول من أدائهم السيئ، هم أبناء منطقتهم، ومنطقتهم نفسها لاتزال في نفس وضعيتها المزرية، قبل أن تكونو شيئا يذكر.
*الشيخ سيد محمد محمد المهدي بوجرانه*