يتساءل البعض ما إذا كان لدينا رأي عام ، وأتساءل هل لدينا مسؤولية عامة ، ذالك أن المسؤولية حاجة ماسة لتسيير الأمر العام ، وللتعديل فيه إرشادا وتصويبا ، فلا بد من مسؤول يبحث ويستوعب ويدرك كل ما يناط به من حقوق وواجبات .
وبصريح العبارة فإن أغلب إن لم يكن كل من يشغلون المناصب السامية في بلادنا هم أشخاص أوصلهم التزلف إلى تلك المناصب ، ولا أدل على ذالك من الذبائح والهدايا والتبريكات التي تنهال عليهم ، إن صاحب تلك الهدايا لم يقصد بها فقيرا ولا مستحق لها ، ولكنه يرى في تعيين فلان تشريفا لا تكليفا وعناية لا مسؤولية ، فأراد منها أن تكون له عربون صداقة يدلف منها إلى الصفقات والوظائف ، هذا حال المسؤولين هنا .
أحيانا أشفق على الرئيس غزواني لأنه يترأس نظاما من المتلاعبين ، لا أحد منهم مستعد لأخذ زمام المبادرة والإصلاح في قطاعه ، يتحركون فقط إذا كانت الأوامر من الرئيس ، ولكني أجد أن غزواني هو من أقدم على هذا بكامل وعيه ، وسعى للنجاح في الانتخابات ، ظنا منه أن نجاحه ظفر منه ، ولا يدري أنه قد أدخل نفسه في وحل ، تمنى عمر بن الخطاب رضي اللـه منه -وهو من أدى الأمانة ونصح للأمة- أن يخرج منه سالما لا له وعليه ، فكيف بأصحاب ربطات العنق .
غزواني يرى أصحاب المناصب يستقبلون الذبائح والهدايا تهنئة بتعيينهم ، فكيف يأتي من هؤلاء إصلاح أو سداد ؟
غزواني يصر على تدوير الفساد ، وإعادة تجارب فاسدة ، لأشخاص لا فائدة ترجى من تسييرهم ، ولا جديد يقدموه ، ولكنه هو الآخر قادم من نظام تشرب الفساد ، وأثرى على حساب المطحونين الفقراء .
ربما يستفيد الشعب الموريتاني من بعض التنافس والتضارب بين نظام وسابقه ، ولكن حقيقة وجوهر الحكامة القاصرة لا زالت للأسف تسحب ذيلها على أغلب الشأن العام ، أو ما يفترض أنه شأن عام ، المسؤولية هنا تعني التشريف ، مناسبة للتبريكات والهدايا ، رواتب عالية ، وولوج للصفقات وتحكم فيها وإثراء على حساب شعب فقير ، يدفع ثمن انعدام الوعي لديه ، مع انتفاعية نخبه وانخراطهم وتمجيدهم لأي نظام يحكم مهما بلغت درجة السوء لديه .
لو كانت لدينا حكامة راشدة ، لسعى ممثلوا الحق العام ونقبوا وبحثوا عن عوامل النجاح وعن المخاطر ، التي تواجه المجتمع ، لكن الواقع مختلف ، لذالك مع أن التحذيرات موجودة والأخطار معلنة ، والمسؤوليات معروفة ، فلا أحد مخاطب .
يعرفون جيدا شغلة ما علي ، ويعرفون التملص من المسؤولية ، والتجاهل والتصامم ، ثم التباكي ولوم النظام الماضي ، وتمجيد النظام الحالي وهكذا دواليك ، ولكن المثل يقول أن توقد شمعة واحدة أفضل من أن تلعن الظلام ألف مرة ، تمتلك حكومتنا إمكانيات لتوقد كثيرا من الشموع في البيوت والأركان المظلمة ، ولكن متى ما تحملت المسؤولية.
سمعت كغيري بأن الرئيس لام الحكومة الماضية على عدم المسؤولية رغم الصلاحيات المخولة لها ، واستبشرت بذالك خيرا وخاصة بعد علمي بتغيير في الحكومة ، لكن تشكيل الحكومة الجديدة كان كافيا ليتبين أن ما حسبه شعبنا ماء كان سرابا ، وأن الرئيس لم يبدء الإصلاح ، إما لغياب الإرادة أو لغياب القدرة ، لكن عجلة الزمان تدور ، وآمل أن يتولى الحكم في هذه البلاد من يتحمل المسؤولية ، وأهم ذالك من يستشعر أنه سيقف أمام اللـه تبارك وتعالى يوم القيامة قال تعالى : (وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْـُٔولُونَ) ، سيحاسب على كل درهم أنفقه ، أو أمر بصرفه ، على كل قرار ، تعيين أو توظيف ، قيام بالأمانة أو إخلال بها ، من يراقب اللـه تبارك وتعالى أولا .
عندما يكون لدينا مسؤول فحينها يمكن أن نتقدم .