كان ذلك في مطلع ثمانينيات القرن الماضي عندما عدت، كعادتي، إلى البيت في حدود الساعة الواحدة بعد منتصف الليل؛ قادما من قاعة سينما "الأجواد" بمقاطعة لكصر حيث استمتعت، مع مجموعة رفاق المراهقة، بمشاهدة أحداث أحد أفلام "الويسترن" كان آخر ما عرض في تلك الأمسية السينمائية التي لا تُنسى (تذكرة الدخول 40 أوقية قديمة جدا).
دخلت إلى الغرفة وخلدت للنوم، قبل أن أستيقظ عند أذان الفجر وأنا أتضور جوعا، إذ كان كل ما تناولته في ذلك اليوم عبارة عن قطعٍ من الخبز بمرق السمك اشتريتها من السيدة اندي (بائعة سينغالية) عند باب المدرسة وقت الاستراحة الصباحية، ثم نصف ثمرة من المانغو قدمه لي الرفيق امـعٓيْـطَ فبيل الغروب؛ بعدما أخبرني أنه نصيبي من بعض الغنائم التي استولى عليها خلال معركة خاضها (الدحميس) ضد عدونا المشترك لكنيبله...
دخلت إلى المطبخ وبدأت أتفحص الأواني والصحون عساني أجد ما أسد به رمقي؛ حتى عثرت على قليل من الكسكس يبدو أنه فاض عن عشاء الأهل، فالتهمته بنهم وحماس منقطع النظير، ثم تناولت فطوري بعد ذلك بنحو ساعة وكان عبارة عن قطعة من الخبز مع. الزبدة وفنجان من الحليب المركز المغلي.. وانطلقتُ نحو المدرسة حيث كانت استراحة العاشرة صباحا فرصة جديدة اغتنمها لشراء بعض من قطع «امبورو صوص» أندي، ذي النكهة المثيرة للشهية !
عند العودة إلى البيت، منتصف نهار ذلك اليوم (المشهود)، تناولتُ قدحا من حليب البقر الرائب الممزوج بقليل من الماء البارد (ازريگه خاثرة)، قبل أن أَخْلَد لنوم القيلولة.
لم أنعم طويلا بتلك «الغفية»!المريحة جدا بسبب ذلك الاجتماع الانفرادي الطارئ الذي اضطررتُ لعقده مع نفسي وراء أبواب موصدة داخل المرحاض، واستغرق حوالي 20 دقيقة، عدت بعدها لمضجعي، لكن اتضح لي، فيما بعد، أن ذلك الاجتماع الانفرادي المغلق لم يكن سوى جلسة أولى ضمن سلسلة اجتماعات مماثلة استمرت حتى ساعة متأخرة من الليل، تراوحت فترة كل منها بين 10 إلى 40 دقيقة في بعض الأحيان؛ حسب جدول الأعمال وطبيعة «النقاشات»...
في الصباح توجهت إلى «طب الحاج» الذي لم يكتب لي أية وصفة وإنما سلمني كمية من العقاقير وقارورة دواء قال إنها علاج فعال لكل الاضطرابات المعدية الناجمة عن «التعدد» في الوجبات.. وهو ما تأكدت من صحته لاحقا..
عندها اتخذت قرارا حازما أحرص على التقيد به حرفيا كما لو كان بندا دستوريا محصنا، حتى اليوم، بتوحيد نظامي الغذائي وعدم تناول أي طعام خارج المواعيد اليومية المنتظمة مهما كان شهيا ومهما بلغ مني الجوع..
فإن خفتم (فوجبة) واحدة !
من صفحة السالك عبد الله مختار