انتقدت المعارضة الموريتانية بشدة، أمس، سير الشوط الأول من الانتخابات البلدية والجهوية والنيابية، مؤكدة «أن الانتخابات التي نظمت أول أيلول/ سبتمبر الجاري شهدت خروقًا وانتهاكات عديدة وخطيرة، سواء على مستوى الإعداد أو على مستوى الحملة الانتخابية أو على مستوى عمليات الاقتراع وفرز النتائج».
وشددت المعارضة التأكيد، في بيان تلاه قادتها في مؤتمر صحافي أمس، على أن «الاستحقاق النيابي والجهوي والبلدي نظم في ظروف لا يمكن أن تضمن أدنى حد من الجدية والنظام والمصداقية، وأصرت السلطة، تضيف المعارضة، على تنظيم خمسة اقتراعات متزامنة بصورة مرتجلة وفي ظرف زمني ضاغط وغير ملائم».
وأضافت: «لقد أسند تسيير هذه العملية المعقدة أصلاً إلى لجنة انتخابية فاقدة للشرعية، تم تعيين أعضائها على أسس بعيدة من معايير الاستقلالية والمهنية والخبرة، كما تم تعيين فروعها على نفس الاعتبارات المتمثلة في القرابة والولاء والمحسوبية، وبالطبع لم يكن ينتظر من انتخابات تم إعدادها في هذه الظروف ومن طرف لجنة كهذه سوى ما حدث فعلًا من فوضى عارمة وارتباك للناخبين وتصرفات غير مقبولة ولا مسؤولة من طرف اللجنة وفروعها، ما فتح الباب واسعًا أمام كل أشكال التزوير والتحريف والانتهاكات، مضافة إلى اختطاف بعض المرشحين مع انطلاق الحملة الانتخابية واعتقالهم».
وانتقدت المعارضة بشدة مجريات الحملة الممهدة للانتخابات، حيث أكدت في بيانها «أنه في خرق سافر للقانون ولقواعد المنافسة الديمقراطية، ألقت السلطة بكل ثقلها في المعركة لصالح حزبها، وتولى رئيس الدولة بنفسه، وبدون حياء، إدارة حملته وجند لها الدولة بوزرائها وإدارتها ووسائلها وسلطتها، مستخدمًا لغة التهديد والوعيد تجاه كل من لم يصوت لحزبه. وفي خرق سافر للقوانين المنظمة للحملة وأدبياتها، تضيف المعارضة، شن رأس السلطة بصورة فجة هجومًا على مكونات محترمة من المعارضة الديمقراطية وأطلق بحقها خطابًا مشحونًا بالحقد والقذف والتجريح والاتهامات الخطيرة بدون أي دليل أو برهان، كل ذلك دون أن يبدر من لجنة الانتخابات أي موقف، وهي المسؤولة عن مراقبة الحملة لضمان حياد الإدارة واحترام القانون وأدبيات الحملة».
وعلى مستوى الاقتراع وفرز الأصوات، تضيف المعارضة، شاهد الجميع ما حدث من محاباة لحزب السلطة في تعيين رؤساء وأعضاء مكاتب الاقتراع، ومن عزْل بعض ممثلي اللجنة ورؤساء المكاتب بناء على رغبة المتنفذين المحليين، ومنْع حضور ممثلي أحزاب المعارضة داخل المكاتب، ومن تلاعب ببطاقات الناخب واستخدام واسع للبطاقات الانتخابية المؤشرة مسبقًا، ورفض تسليم محاضر الفرز لمن حضروا من ممثلي اللوائح المترشحة».
«لقد وضعنا لجنة الانتخابات مرارًا أمام مسؤولياتها خلال كل مرحلة من هذه المراحل، تضيف المعارضة، وذلك أثناء لقاءات مباشرة جمعتنا بها وعبر مذكرات مكتوبة سلمناها لها، كما طالبناها بالتحقيق في العديد من الانتهاكات والمخالفات الموثقة والثابتة، إلا أننا لم نجد أي تجاوب من طرفها، حيث اكتفت في تعاطيها معنا بالوعود والتسويف والتهرب من المسؤولية».
«إننا في الحلف الانتخابي للمعارضة الديمقراطية، يضيف البيان، ندين بقوة ما أقدمت عليه السلطة من تجنيد للدولة لصالح حزبها وما أقدم عليه رأسها من اتهامات خطيرة وجزافية ومن قذف وتجريح في حق مكونات أساسية من المعارضة، ما يشكل تهديدًا للسلم الاجتماعي والانسجام الوطني».
وأكد البيان «أن المعارضة الموريتانية تعتبر هذه الانتخابات اختطافًا لإرادة الناخبين؛ لما شابها من تزوير فاحش وخروقات فاضحة وتلاعب شامل بالنتائج، وتحمل السلطة مسؤولية تفويت فرصة كانت ستسهم في حل الأزمة السياسية التي تعاني منها موريتانيا في هذا الظرف الدقيق من تاريخها، كما تحملها مسؤولية العواقب التي قد تنجم عن إصرارها على الاستمرار في ارتهان الدولة من أجل تنفيذ مشروعها الأحادي، هذا المشروع المدمر الذي يشكل مغامرة وخيمة العواقب على استقرار البلد ووحدته، الذي ستتصدى له المعارضة بقوة كما سيتصدى له جميع الموريتانيين الغيورين على مستقبل موريتانيا».
ودعت المعارضة الموريتانية «جميع الأحزاب والفاعلين السياسيين والمدنيين وكل الموريتانيين المتعلقين بالتغيير للتعبئة والتصويت بكثافة للوائح المعارضة الديمقراطية في الشوط الثاني، ولجميع اللوائح التي تنافس حزب السلطة، والتصدي بكل يقظة وقوة وحزم لكافة محاولات الغش والتزوير، كما دانت الاعتقال التحكمي الذي يقع ضحيته برام الداه عبيد»، وهو أحد قادتها، وقد تم انتخابه نائبًا في الجمعية الوطنية، وهو رهن الاعتقال منذ أكثر من شهر في قضية شكوى تقدم بها ضده أحد الإعلاميين.
وكان رئيس اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، محمد فال ولد بلال، قد أعرب في بيان إعلانه عن نتائج الشوط الأول «عن ارتياح لجنة تسيير اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات لمشاركة الشعب الموريتاني في الانتخابات النيابية والبلدية والجهوية، التي جرى شوطها الأول في أول سبتمبر/أيلول الجاري بهدوء وانضباط، مبرهنًا بذلك على نضجه السياسي وتعلقه بالديمقراطية»، حسب تعبيره.
وأكد «أن اللجنة المستقلة للانتخابات تتقاسم مع الجميع الإرادة الصادقة والطموح القوي في تنظيم انتخابات دون أية شوائب رغم الصعوبات الجمة التي اكتنفت هذا الاقتراع لضيق الوقت المتاح لتحضيره، ومشاركة الطيف السياسي على نحو غير مسبوق، وتزامن خمسة اقتراعات في اقتراع واحد، وموسم الأمطار الذي منع التنقل في عدد كبير من المناطق، وغير ذلك من الإكراهات والعراقيل الموضوعية التي تجعل من المستحيل عدم حدوث نواقص إجرائية ولوجستية هنا وهناك».
يذكر أن الانتخابات المتعلقة بالنواب قد نظمت في 49 دائرة انتخابية، حيث شارك فيها 96 حزبًا سياسيًا، و16 ائتلافًا بين الأحزاب، وتنافست فيها 540 لائحة انتخابية على 157 مقعدًا نيابيًا؛ ففي دوائر على مستوى المقاطعات 99 مقعدًا، وفي الدائرة الموحدة لولاية نواكشوط 18 مقعدًا، وفي اللائحة الوطنية 20 مقعدًا، وفي اللائحة الوطنية للنساء 20 مقعدًا.
أما ما يتعلق بانتخاب المستشارين في المجالس الجهوية، فقد تم تنظيم الاقتراع في 13 ولاية في عموم التراب الوطني، وقد شارك فيها 52 حزبًا سياسيًا، و16 ائتلافًا حزبيًا، وتنافست فيها 160 لائحة انتخابية على 285 مقعدًا.
وفيما يتعلق بالانتخابات البلدية، فقد تم تنظيم هذا الاقتراع في 219 بلدية موزعة على امتداد التراب الوطني، وشارك فيه 84 حزبًا سياسيًا و32 ائتلافًا حزبيًا وتنافست في هذا الاقتراع 1552 لائحة انتخابية على 3831 مقعدًا.
وأظهرت المحصلة النهائية للشوط الأول نسبة مشاركة 44ر73٪، كما أظهرت بالنسبة للنيابيات، وحسم 37 دائرة انتخابية وانتقال 12 دائرة نيابية إلى الشوط الثاني، وبالنسبة للانتخابات الجهوية فقد حسمت نتائج 4 دوائر انتخابية وذهبت إلى الشوط الثاني 9 دوائر، أما الانتخابات البلدية فحسمت نتائج 111 بلدية وذهبت 108 إلى الشوط الثاني.
القدس العربي