تواصل بالتقطير البطيء، أمس، الإعلان عن النتائج الجزئية للانتخابات النيابية والجهوية والتشريعية التي شهدتها موريتانيا السبت الماضي.
ويقوم فنيو اللجنة المستقلة للانتخابات لليوم الرابع ليل نهار، بعمليات فرز الأصوات التي أدلى بها مليون ونصف مليون ناخب في 4080 مكتب تصويت بنسبة مشاركة قدرت أمس بـ 75 في المئة.
وتؤكد النتائج الأولية المنشورة حتى بعد عصر أمس استمرار الصراع على الفوز بالمناصب الانتخابية بين الحزب الحاكم حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، وإسلامي موريتانيا المنضوين في حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية.
وتؤكد أن حزب التجمع سيكون القوة المعارضة الأولى في البرلمان، وهو الموقع الذي يحتله الحزب منذ انتخابات 2013 التي قطعتها المعارضة.
وستكون هذه القوة مسنودة بنواب جدد بعضهم من أحزاب المعارضة التقليدية وبعضهم من مجموعات الشباب المنشغل بالسياسة عبر التدوين.
ويتابع الموريتانيون انشغالهم عن كل شيء ليلهم ونهارهم، بمتابعة النتائج وتداولها عبر تطبيقات شبكة التواصل في دورات لا تهدأ تجمع بين التهاني حال النجاح هنا والتعزية حال الهزيمة.
ويسود في موريتانيا، مع ذلك، إحباط عام بسبب البطء الشديد في عمليات الفرز واختلاط النتائج المعلنة وبسبب حالات الهزيمة التي مني بها مترشحون كثيرون.
وعبر الإعلامي علي عبد الله، في تدوينة أمس، عن هذا الإحباط فكتب متسائلاً: «لأول مرة في تاريخ الانتخابات عندنا، يتأخر إلى هذا الحد إصدار النتائج، لأول مرة يقام بالتزوير على رؤوس الأشهاد ولا يحرك ساكنًا للوقوف أمام هذه الجريمة، لأول مرة يتم تحويل بعض المكاتب الانتخابية دون إشعار الناخبين المسجلين بها، لأول مرة يسجل بعض الناخبين في مكاتب غير موجودة أصلاً، لأول مرة لا يتمكن الأحزاب من جمع ما تحصل عليه مرشحوهم من صوت، انطلاقًا من نسخ المحاضر التي يفترض أن تسلم لمن مثلوهم، لأول مرة ينتاب الناخب بعض الشك في مصداقية عمليات الانتخاب، لأول مرة لا يجد المواطن تفسيرًا لهذا الواقع المخل».
وأضاف: «لماذا كل هذا؟ هل يعود الخلل لكثرة الترشحات؟ هل يعود لعدم كفاءة الأطقم على مستوى المكاتب الانتخابية أو على مستوي مركزة النتائج؟ لماذا لا نجد أي تفسير يمكننا من الاطمئنان على سير العملية؟».
واضطر رئيس لجنة الانتخابات وزير الخارجية الأسبق، فال ولد بلال، للاعتذار للمواطنين في تدوينة، أمس، فكتب عن تأخر عمليات الفرز مستغربًا: «في اعتقادي أنّ السؤال عن نتائج انتخابات بمشاركة 98 لائحة متنافسة على خمس جبهات في بلد شاسع مثل موريتانيا، وفي موسم أمطار كهذا حيث تعطلت حركة النقل في مناطق عديدة، أمر غير واقعي ولا عادل ولا منصف».
وأضاف: «كنا في الماضي ننتظر أسبوعًا كاملاً وأكثر لمعرفة نتائج التصويت بين عدد قليل من اللوائح، واليوم نطالب بظهور النتائج بعد 24 أو 48 ساعة في الوقت الذي بلغ فيه عدد المكاتب 4080 مكتبًا».
«أدري، يضيف بلال، أن الرأي العام لا يزال في حُمى الانتخابات، وأتفهم وأقدر تلهف الأحزاب واستعجالها ظهور النتائج، وبالقدر ذاته أتفهم هواجس الإدارة الإقليمية وما تبديه من «قلق» على سير الأمور، ولكنني أقول بوضوح بأنّ ما تتعرض له اللجنة من قصف عن يمينها وعن يسارها ومن فوقها ومن تحت أقدامها، لن يفيد الانتخابات بشيء ولن يؤثر في عزمها وتصميمها على أداء مهمتها وإتقان عمليات الفرز وتوخي الدقة في احتساب النتائج المؤقتة قبل الإعلان عنها، ونرجو أن يتحلى الجميع بالمسؤولية وأن يحترم القواعد والضوابط الأخلاقية المطلوبة من النخبة في مثل هذه الأوقات».
واحتج التحالف الانتخابي المعارض على ما سماه عمليات تزوير بدأت مع التصويت وتواصلت مع عمليات الفرز.
وتؤكد مصادر لجنة الانتخابات أن شوطًا ثانيًا سينظم لزومًا يوم الخامس عشر من الشهر الجاري على مستوى المقاطعات التي تحسم فيها الانتخابات بنظام الأغلبية المطلقة، بينما تتوقع مصادر اللجنة أن تفرز بسهولة نتائج المواقع التي تحسم نتائجها بنظام النسبية، وهو ما يشمل لائحتين من عشرين مقعدًا إحداها للنساء والأخرى مختلطة، كما يشمل دوائر المدن الكبرى؛ وتتعلق هذه النتائج بحسم 77 نائبًا مترشحًا من أصل 157 نائبًا تضمها الجمعية الوطنية الموريتانية.
ومع أن تيارًا واسعًا جدًا داخل موريتانيا، وبخاصة في أوساط المعارضة، يعتبر أن انتخابات فاتح سبتمبر كانت سيئة للغاية، فقد أكد رئيس بعثة الاتحاد الإفريقي لمراقبة الانتخابات التشريعية والجهوية والبلدية في موريتانيا آلبير باهيمي بادكى «أن انتخابات السبت الماضي جرت بطريقة جيدة وفي جو من السكينة والطمأنينة».
وأوضح في مؤتمر صحافي أمس «أن هذه الانتخابات تميزت بمشاركة مرتفعة من كل الأطياف السياسية، حيث شارك فيها 98 حزبًا سياسيًا»، مشيرًا إلى «أن مكاتب التصويت فتحت أبوابها في الوقت المحدد أي عند الساعة السابعة صباحًا، وأن اللوازم الانتخابية كانت متوفرة بالكميات الكافية».
وثمنت البعثة في تقرير عرض على الصحافة «جهود موريتانيا المتعلقة بتعزيز نفاذ المرأة إلى المناصب الانتخابية عبر اعتماد جملة من القوانين في هذا المجال، ما سمح بوجود لائحة خاصة بالنساء وتهيئة الظروف المناسبة لتعزيز مشاركة المرأة في الحياة السياسية.
وينظر لهذه الانتخابات كما لو كانت امتحانًا لنظام محمد ولد عبد العزيز، الجنرال الذي وصل للسلطة عبر انقلاب عسكري دبره عام 2008 ليتمكن بعد نزع البزة العسكرية من الفوز في انتخابات 2009 ليعاد انتخابه عام 2014.
ومع أن الرئيس أكد مرات عدة عدم نيته تعديل الدستور للترشح لمأموريات أخرى، فإن أقواله لم تقنع المعارضة التي تعتقد بأنه سيترشح العام المقبل لخلافة نفسه، وهي شكوك أكدتها تصريحات لعدد من وزرائه وأنصاره الرئيس الذي تنتهي ولايته الدستورية منتصف السنة المقبلة.
القدس العربي