بين الانتخابات العامة التي ستنطلق حملتها يوم غد الجمعة وتلويح الرئيس في جولته الحالية بولايات أخرى، تمر موريتانيا هذه الأيام بهزات، وينشغل سياسيوها بمستقبل بلدهم الذي يتجه نحو منعطف حاسم غير مسبوق للتداول على الحكم بعد أقل من سنة، حيث يفرض الدستور انتخاب رئيس جديد.
ومع أن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز قد أكد مرات عدم نيته البقاء في السلطة، فقد ألمح في ثنايا أحاديثه خلال الجولة السياسية التي يقوم بها حاليًا في مدن الداخل لمناصرة مرشحي حزبه، إلىولايتين اثنتين إضافيتين ثالثة ورابعة، وهو ما يعني أن حيازة أغلبية في البرلمان المقبل ضرورة للرئيس ليتمكن من إنجاز ما يسعى إليه من الاستمرار في حكمه لموريتانيا.
وقال: «على كل ﻣﻦ ﻳﻄﺎﻟﺐ ﺑﻤﺄﻣﻮﺭﻳﺔ ﺛﺎﻟﺜﺔ ﻭرابعة ﺃﻥ ﻳﺼﻮﺕ ﻟﺤﺰﺏ ﺍﻻﺗﺤﺎﺩ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﺠﻤﻬﻮﺭﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻧﺘﺨﺎﺑﺎﺕ ﻓﺎﺗﺢ ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ ﺍﻟﻘﺎﺩﻡ، ﻭﺃﻥ ﻳﺼﻮﺕ ﻟجميع ﻟﻮﺍﺋﺤﻪ ﺩﻭﻥ ﺗﻤﻴﻴﺰ».
ﻭﻧﻘﻠﺖ ﺍﻟﻮﻛﺎﻟﺔ الموريتانية ﻟﻸنباء (عمومية) ﻋﻦ الرئيس ﻭﻟﺪ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ ﻗﻮﻟﻪ إﻥ «على ﻣﻦ ﻳﺴﺎﻧﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ، ﺃﻥ ﻳﺼﻮﺕ ﻟﻼﺗﺤﺎﺩ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﺠﻤﻬﻮﺭﻳﺔ، ﻭﺃﻥ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻳﺘﺮﺷﺢ ﻣﻦ خلال ﺣﺰﺏ ﺁﺧﺮ يعتبر غير داعم للنظام وغير مساند للرئيس ﻭﺃﻥ ﺻﻨﺎﺩﻳﻖ ﺍﻻﻗﺘﺮﺍﻉ ﻫﻲ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ كله». هذه التصريحات أدت لانشغال الرأي العام الموريتاني بنيات رئيسه البقاء في السلطة خارج ما ينص الدستور بخصوص مغادرته في انتخابات العام المقبل بعد مأموريتين امتدتا لعشر سنوات.
وانشغل المدونون المحسوبون على المعارضة بالتحذير من تعديل الدستور للسماح للرئيس ولد عبد العزيز بالبقاء في السلطة لولايات أخرى، فقد كتب الصحافي الإسلامي أحمدو الوديعة: «أمران لا يخامرني فيهما أدنى شك؛ أن الرئيس الجنرال سيظل متمسكًا بأمل الولاية الثالثة لآخر رمق، وأن قدرته على الظفر بذلك الأمل دونها خرط القتاد».
وقارن المدون والإعلامي البارز سيدي عبد المالك بين ولد عبد العزيز وجوزيف كابيلا رئيس الكونغو الديموقراطية في شأن المأمورية الثالثة قائلاً: «قبل ثلاثة أيام أعلن رئيس الكونغو الديمقراطية جوزيف كابيلا عن تراجعه عن الترشح لمأمورية ثالثة يمنعها الدستور، وذلك بعد أن دخلت البلاد في أزمة سياسية معقدة على خلفية إصرار كابيلا طوال فترة من الزمن على تحدي الشعب والدستور».
وأضاف: «تصريحات كابيلا الأخيرة التي أنهى بها طموحه للرئاسة، لم تسجل في رصيد حسناته الديمقراطية، لأن الناس اعتبروا أن نضال الداخل وضغوط الخارج هما اللذان دفعا كابيلا للتنازل وليس احترام الدستور؛ يبدو أن صاحبنا يلعب لعبة كابيلا نفسها».
واعتبر الصحافي هيبة الشيخ سيداتي في تدوينة له أمس «أنه ليس من الحزم فتح الطريق أمام مأمورية ثالثة، لأنه يعتبر فتحًا للطريق أمام التغيير غير الدستوري».
وكان رئيس الحزب الحاكم قد ألمح في تدوينة أخيرة له لاحتمال تعديل الدستور خلال البرلمان المقبل، فكتب: «قبل أن نبدأ المنازلة الانتخابية، وبعد أن وضعنا كل شروط اللعبة وقواعدها، علينا أن نتعامل مع نتائجها والواقع السياسي الذي ستثمر كمشروعية وطنية أفرزتها صناديق الاقتراع، فالبرلمان القادم سيمارس كل صلاحياته الدستورية نيابة عن الأمة الموريتانية، وعلى القوى السياسية تقبل ذلك بصدر رحب».
وفي الموالاة، حذر الكاتب إسماعيل الرباني من خطورة مغادرة الرئيس ولد عبد العزيز للسلطة، وقال: «إن الشعب الموريتاني الذي يتابع الإنجازات العملاقة التي تحققت في ظرف وجيز، لن يرضى بالعودة إلى مربع التيه الذي عاش مآسيه بكل تفاصيلها المريرة، وسيفرض إرادته باعتباره مصدر كل التشريعات».
وأكد الإعلامي عبد الفتاح ولد اعبيدن، رئيس تحرير صحيفة الأقصى الموريتانية المستقلة، «أن كل النذر تشير إلى اعتزام الرئيس محمد ولد عبد العزيز العبث بالدستور مرة أخرى ضمن ظروف محلية وإقليمية غير مستقرة إطلاقًا، وسيكون ذلك ضمن مسعى جلي مكشوف للبقاء في دفة الحكم، عبر أسلوب غير أخلاقي أناني متعسف، عنوانه أنا أو اتسونامى».
وقال: «لو افترضنا أن ولد عبد العزيز وزبانيته أفلحوا في فرض ولاية ثالثة، فإن أغلبية سكان هذا الوطن المغدور، سيتحولون إلى «بدون»، أو بعبارة أخف، مواطنين في أحسن الأحوال من درجة عاشرة، لذا فالوطن بحاجة ماسة إلى تفاهم تشاركي استثنائي جاد لتلافي غيوم ومخاطر الولاية الثالثة المثيرة والمخيفة بحق».
القدس العربي