تندفع موريتانيا بشكل متثاقل نحو خوض انتخابات نيابية وجهوية وبلدية منتظرة مستهل شهر أيلول/ سبتمبر المقبل في ظل أزمة صامتة بين النظام الحاكم والمعارضة التي اضطرت للمشاركة في هذه الاستحقاقات المنظمة بآليات حكومية بالكامل.
ويشكك عديد من المراقبين في إمكانية تنظيم دقيق للانتخابات المقبلة، للصعوبة التي ستواجه الناخب الموريتاني في اختيار من يصوت له بين عشرات القوائم المترشحة وعشرات الشعارات المعروضة في وقت ضيق.
وجاء تعيين وزير الخارجية الأسبق، محمد فال بلال، المحسوب على المعارضة بمبادرة من النظام، رئيسًا للجنة الانتخابات المستقلة ليلطف الأجواء، لكن المعارضة لم ترحب بتعيينه بسبب انزياحه عن خطها في الأشهر الأخيرة.
وأعلنت اللجنة المستقلة للانتخابات، أمس، عن اكتمال تحيين قائمة الناخبين، حيث سجل فيها مليونا و428 ألف ناخب؛ واعتبرت اللجنة «أن عدد المسجلين تجاوز ما كان متوقعًا».
وانطلقت عملية الإحصاء الإداري ذي الطابع الانتخابي في فاتح يونيو/ حزيران الماضي لإحصاء كافة الموريتانيين والموريتانيات الذين تبلغ سنوات أعمارهم 18 عامًا فما فوق، والحاصلين على بطاقة التعريف الوطنية البيومترية. واحتلت العاصمة نواكشوط الصدارة في عمليات التسجيل حيث سجل 230 ألف ناخب من سكانها الذين يقارب عددهم المليون قاطن، تليها ولاية الترارزة في الجنوب التي سجل 167 ألفًا من سكانها على القائمة.
ويشارك في الانتخابات المقبلة مئة من الأحزاب السياسية الموريتانية يتصدرها حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، يليه التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (المحسوب على جماعة الإخوان).
وتقدم حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم بمرشحين في جميع الدوائر البالغ عددها 48 دائرة انتخابية، إضافة إلى دائرة نواكشوط والقوائم الوطنية.
كما رشح حزب التجمع (الإسلاميون) في 38 دائرة من أصل 48 دائرة، بالإضافة إلى نواكشوط والقوائم الوطنية.
وجاء في المرتبة الثالثة حزب الوئام الذي يقوده بيجل ولد هميد، أكبر مساعدي الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع، الذي رشح في 33 دائرة، بالإضافة إلى العاصمة نواكشوط والقوائم الوطنية.
واحتل حزب التحالف الوطني الديمقراطي الذي يرأسه يعقوب ولد أمين المرتبة الرابعة بترشيحه في 27 دائرة، إضافة إلى دائرة نواكشوط والقوائم الوطنية.
ورشح حزب الصواب (البعثيون) في 27 دائرة، وحزب التحالف الشعبي التقدمي (الناصريون) في 25 دائرة انتخابية.
كما رشح حزب تكتل القوى الديمقراطية بزعامة أحمد ولد داداه في 15 دائرة جهوية مع الترشح في دائرة نواكشوط والقوائم الوطنية.
وتكتسي هذه الانتخابات أهمية بالغة لكونها تشهد مشاركة أحزاب المعارضة المتشددة التي قاطعت انتخابات 2013.
وسبق للحزب الحاكم أن أعلن عن مليون منتسب لصفوفه في نهاية حملة انتسابه الأخيرة، وهو ما يؤكد فوزه الساحق في الانتخابات المرتقبة إذا كان المنتسبون مسجلين بالفعل على القائمة الانتخابية الوطنية.
ولا تعود أهمية الانتخابات المقبلة لاستخدام نتائجها في قياس المواقع التي ستحتلها المعارضة في البرلمان المقبل فحسب، بل لقياس الأغلبية الداعمة للرئيس التي ستنبثق عن هذا الاقتراع، ذلك أن مراقبين عديدين يرون أن الهدف من تحقيق الأغلبية في انتخابات سبتمبر المقبل هو استخدامها في تعديل الدستور من أجل السماح للرئيس محمد ولد عبد العزيز بالترشح في انتخابات 2019 لمأمورية ثالثة يمنعه الدستور بشكله الحالي من الترشح فيها.
هذا واعتبرت أسبوعية «القلم» الصادرة باللغة الفرنسية في افتتاحيتها أمس «أن الانتخابات المرتقبة تشبه «مهرجان مشاجرة» أكثر منها انتخابات بما في الكلمة من معنى»، فباستثناء حوالي عشرة من التشكيلات التي يمكن أن تقدم برنامجًا متماسكًا نسبيًا، فإن المئة الأخرى من الأحزاب التي ستخوض المعركة ليست أحزابًا إلا بالاسم؛ فقد أيقظ قرار الحكومة القاضي بحل أي حزب لا يترشح لانتخابين متتاليين أو لا يحصل على أكثر من 1% من الناخبين، الأحزاب من سباتها.
وتساءلت «القلم»، أعرق صحف موريتانيا: «في مواجهة هذا التضخم الكبير في المرشحين والأحزاب والشعارات، هل تستطيع لجنة الانتخابات إعداد بطاقات التصويت وإرسالها إلى داخل البلاد في هذا الوقت القصير، وبعبارة أخرى هل بالإمكان تنظيم انتخابات شفافة وذات مصداقية؟».
وأضافت: «إذا تم تنظيم الانتخاب على النحو المقرر، فكيف سيتمكّن الناخبون من الاهتداء إلى طريقهم بين هذا العدد الهائل من بطاقات الاقتراع، فخلال انتخابات عام 2013، مع عدد أقل من الأحزاب السياسية، احتل «حزب البطاقات اللاغية» الرتبة الأولى من حيث عدد الأصوات، ولا شك في أنه ستحدث معجزة حقيقية إذا استطاع الجميع التصويت بشكل صحيح». وتابعت الصحيفة: «عند الانتهاء من هذه العملية، التي لن تكون مهمة سهلة، فمن الوهم الاعتقاد للحظة أن أي حزب يمكن أن يفوز بالأغلبية في الجمعية الوطنية سيدفع الاتحاد من أجل الجمهورية ثمنًا باهظًا جدًا لاختياراته السيئة، وسيتمرد الناس عليه في كل مكان، ولم يعد بعض كبار الشخصيات يترددون في دعم القوائم المنافسة لهم دعمًا علنيًا، كما أن المعارضة قد تدفع هي الأخرى ثمن تسويفها وقلة مواردها. لذا، ينتظر أن يستفيد العديد من الأحزاب الصغيرة من الوضعية، وتلعب على المشاعر القبلية والجهوية لتحصل على وظائف عمدة ونائب في مختلف أنحاء البلاد».
وخلصت «القلم» لنتيجة مؤلمة وهي «أن ولد عبد العزيز، الذي أدرك اتجاه التيار أراد استباق الأحداث، حيث قام مثلما فعل في عام 2006، بإعداد كتيبة من النواب المنبثقين من مختلف الآفاق لكي يشكل في نهاية المطاف أغلبية طيعة راضخة له، كان كل هذا في الحقيقة مجرد لعبة «سيرك» تجعل الموريتانيين، في النهاية، يتجرعون إهانات جديدة؟».
القدس العربي