على مدار يومين، هما مدة المؤتمر الشبابي السادس الذي تنظمه الرئاسة المصرية، واستضافته جامعة القاهرة، واصل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إطلاق التصريحات المثيرة للجدل والمتناقضة، التي تنوعت بين الدفاع عن سياساته الاقتصادية، ورفض أي نقد يوجه لها.
أكثر التصريحات جدلا، جاءت في اليوم الأول للمؤتمر، وجمع فيها السيسي بين تقديم نفسه باعتباره المنقذ للبلاد وللمصريين من حالة الفقر ورفضه أي دعوات لرحيله عن الحكم، وقال: «بينما أحاول إخراج المصريين من حالة العوز، أجد من يطلق هاشتاغ ارحل ياسيسي. من حقي أن أزعل».
وجاءت تصريحات السيسي في المؤتمر مخالفة لكل تصريحاته السابقة التي أعلن فيها أنه سيرحل حال مطالبة المصريين له بذلك، حيث سبق له أن صرح مرتين، الأولى في ديسمبر/ كانون الأول 2015، في سياق حديثه عن مطالب رحيله أيضا عن الحكم قائلاً: «والله ولا ثانية واحدة ضد إرادة الناس، الكرامة الإنسانية والأخلاقية لا تتحمل أن أجلس ثانية واحدة ضد إرادة الناس، لو الشعب لا يريد بقائي، سأرحل فورا». أما التصريح الثاني، فجاء في لقاء آخر في أبريل/ نيسان 2017، حيث أكدد : « لا أستطيع أن أسمح لكم أو لي بالبقاء في هذا المكان دون إرادتكم».
زيادة الأزمات
كلام السيسي الأخير دفع عدد من السياسيين والاقتصاديين للرد عليه على صفحاتهم الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي.
نور فرحات، أستاذ فلسفة القانون في جامعة الزقازيق، علق على حديث السيسي حول هاشتاغ «ارحل يا سيسي»، في 10 نقاط، نشرها على حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك».
وكتب: «كثير من المصريين، مقتنعون أن سياساتك لن تخرج مصر من أزماتها، بل على يقين أنها ستزيد الأزمات، وستغرق مصر في الديون».
وأضاف: «أنت لا تريد سماع وجهة النظر الأخرى وتعتبر كلامك وكلامك فقط هو عنوان الحقيقة، زيادة الأزمات وعادة توجه تهم نشر أخبار كاذبة وتودع في السجن، كل من يعارضك».
وتابع: «مفهومنا للحكم يختلف عن مفهومك، مفهومنا عبارة عن بدائل وأولويات، وانت تراه أوامر وتعليمات، نحن نرى أن الحكم سياسة وأنت تكره السياسة وترى أن الحكم أمن وضبط وربط. سلطات الدولة فقدت وظائفها وأصبحت مهمتها التصفيق لك ولأجهزتك».
وزاد: «أصبحنا كمصريين نعاني التمييز وعدم المساواة، وهناك مواطنون، لا يجدون الطعام، ومنابر الرأي الآخر تقريبا كلها جرى إغلاقها، وجرى تأميم الإعلام في عهدك».
إلهامي الميرغني، نائب رئيس حزب التحالف الشعبي رد أيضاً على تصريحات السيسي على حسابه على «الفيسبوك»، وكتب: «كيف تتحدث عن انتشالنا من العوز، كم كان معدل الفقر عام 2010 وكم وصلت نسبته في 2014، وكيف أصبح بعد تعويم الجنيه ؟».
يذكر أن تقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تشير إلى أن معدلات الفقر في مصر ارتفعت من 16.7٪ عام 2000 إلى 27.8٪ عام 2015 أي نحو 25 مليون مصري تحت خط الفقر.
حديث السيسي عن اختياره الطعام أو بناء مصر أو علاج المواطنين، بات تصريحا ثابتا في كل اللقاءات أو المؤتمرات التي يحضرها، حيث قال أمس بعد أن ظهر أمام الكاميرات وهو يبكي بعد تقرير أذاعه المؤتمر عن انتهاء حالات الانتظار على قوائم العلاج، خلال جلسة التأمين الصحي: « لو خيرت أن آكل أو أعالج هؤلاء المرضى، سأختار علاج هؤلاء».
ولم تكن تلك المرة الأولى التي يتحدث فيها السيسي عن الطعام، فقبل أيام، قال لو كانت الدول تبنى بالطعام، لاخترت أن أتناول وجبة واحدة ما تبقى من عمري.
ودافع عن سياساته الاقتصادية، مؤكداً أن «ما تحقق في السنوات الماضية كان محاولة للحفاظ على الدولة المصرية وتثبيتها وعدم الانزلاق لما يحدث في الدول الأخرى».
وأضاف أن : «الدول التي ينادون بنجاحها، مثل اليابان وأمريكا وبريطانيا ودول أخرى، لم تتعرض في تاريخها المعاصر لحالة من عدم الاستقرار العميق».
وتابع : «لولا الإجراءات الاقتصادية الصعبة التي اتخذتها الدولة لما كنا استطعنا أن نسيطر على تطور خدمة الدين، وأنا أضغط لأننا لا نملك سبيلاً آخر».
معلومات مغلوطة
وفيما يخص تطوير التعليم، قال، إنه لو أراد زيادة رواتب المعلمين 1000 جنيه شهريا فإنه يحتاج 15 مليار جنيه سنويا، وتسأل، هل باقي الفئات مستعدة للتضحية، دون أن تطلب هي الأخرى زيادات.
لكن الخبير الاقتصادي عبد الخالق فاروق، بين أن السيسي قال مجموعة من المعلومات المغلوطة.
وأضاف، أن كلام السيسي عن زيادة رواتب المعلمين «يعكس مغالطة وسوء إدارة للموارد معا، فمن ناحية تعتبر وزارة التربية والتعليم في مصر هي أكبر الوزارات من حيث عدد العاملين، حيث يعمل فيها حوالي 1.7 مليون موظف منهم 1.3 مليون مدرس وإدارة مدرسية، وهؤلاء يحصلون على أدنى الدخول الوظيفية فى البلاد، حيث يحصلون على مرتبهم الوظيفي والأجور المكملة لا تزيد على 1200 جنيه كحد أدنى وتصل إلى 3500 جنيه للمدرسين الذين قاربوا سن الستين، في المقابل قام السيسي بزيادة أجور وحوافز فئات وظيفية أخرى بصورة كبيرة جدا خلال سنوات حكمه مثل ضباط الجيش والشرطة وأفراد الشرطة والقضاة والعاملين في السلك القضائي والسلك الدبلوماسي والقنصلي وأعضاء مجلس النواب والوزراء والعاملين في أجهزة الاستخبارات بكافة فروعها، بحيث أن حصة العاملين في وزارة التربية والتعليم وبقية العاملين في المحافظات (وعددهم يزيد على 3.5 مليون موظف) لا يزيد على 45٪ من كعكعة الأجور والمرتبات الواردة فى الموازنة العامة، بينما العاملون فى وزارات الجهاز الإداري (وعددهم لا يزيد على 1.3 مليون موظف منهم 830 ألف فى الشرطة) يحصلون على 55٪ من كعكعة الأجور والمرتبات».
حوافز مقابل الولاء
وأضاف: «جوهر الخلل يكمن في إدارة الموارد المالية، والتحيز لصالح فئات معينة بسبب حاجة النظام والحكم إلى ولائها وطاعتها مثل القضاء والشرطة والجيش والوزراء وأعضاء مجلس النواب، على حساب الفئات الوظيفية الأضعف التي ينظر إليها نظام السيسي بإزدراء واستهانة كما قال بالنسبة للمدرسين».
وتابع: أن «إعادة تنظيم موارد وزارة التربية والتعليم من شأنها زيادة دخلهم الشهري بحوالي 750 جنيها شهريا إلى 1000 جنيه شهريا لكل مدرس من خلال إعادة النظر فى طريقة صرف بعض المخصصات المالية مثل مكافأة الامتحانات التي تصرف في نهاية العام الدراسي، وبمتوسط 3500 جنيه إلى 5000 جنيه للمدرس أو العامل في قطاع التربية والتعليم بينما يظل المدرس طوال العام يحصل على أدنى المرتبات والدخول في المتوسط بين 1200 جنيه للمدرس الحديث إلى 3500 جنيه للمدرس الذى أمضى فى الخدمة حوالى 30 عاما)، فإذا أعدنا توزيع المخصص المالي لمكافآت الامتحانات على مدار العام، يزيد دخل المدرس فى المتوسط بين 750 جنيها شهريا إلى ألف جنيه شهريا، ومن شأن ذلك تخفيف حدة العوز والحاجة للمدرسين الذي يدفعهم دفعا إلى تعاطي جريمة الدروس الخصوصية».
وطالب فاروق، بـ«إيقاف الإسراف في كثير من الجوانب الحكومية مثل مكاتب الوزراء والمسؤولين وغيرها من الجهات، ووقف الهدر في بعض أبواب الموازنة العامة للدولة مثل المجموعة الخامسة من الباب السادس (الاستثمارات)، خاصة مخصصات الدراسات المتعلقة بالمشروعات التي تحصل عليها غالبا مكاتب استشارية لوزراء سابقين ولاحقين وأبناؤهم وأقاربهم».
تجديد الخطاب الديني، كان حاضرا في كلمات السيسي، حيث قال: أنتم خائفون من أن نضيع الدين، هل هناك ضياع للدين أكثر مما نحن فيه، مشيرا إلى الهجوم الذي تعرض له، عندما طالب بتوثيق الطلاق، وعدم الاعتداد بالطلاق الشفهي.
وأضاف : «أنا قلت هذا الكلام كثيرا، هل أنتم مستعدون لأن تتقبلوا في السينما والمسرح والتلفزيون سلوكيات لا تليق، وبعد ذلك تقولون حرية إبداع»، ما اعتبره كثير من الفنانين بداية لرغبة في تقييد حرية الإبداع.
القدس العربي