أثيرت من جديد قضية الهدنة الصامتة بين موريتانيا وتنظيم القاعدة المسربة ضمن الوثائق المنسوبة لأسامة بن لادن والتي كشفت عنها الحكومة الأمريكية في مارس/آذار عام 2016 بعد أن صادرتها القوات الأمريكية الخاصة خلال مداهمتها لمخبأ أسامة بن لادن في باكستان عام 2011.
فبعد خمود طويل، عادت هذه القضية التي نفتها الحكومة الموريتانية، للواجهة هذه الأيام بعد أن تناولها تقرير للكاتب جان بيير أدامس نشرته مواقع إعلامية فرنسية ومالية بينها «مالي أكتو» و»رابيدأنفو» تحت عنوان «الإرهاب: دلائل الارتباط بين نواكشوط وتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي».
ومع أن التقرير تضمن قرائن ومقارنات عدة تثير الشكوك حول هذه القضية، فقد اعتبره الإعلامي الموريتاني محمد محمود أبو المعالي الخبير في قضايا الساحل «تقريرا مؤسسا على مؤشر واحد، هو عدم تدخل موريتانيا في الحرب الدائرة في مالي».
وحلل أبو المعالي الأدلة والمعلومات التي قدمها الكاتب أدامس على ضوء، ما قال إنه «معطيات الواقع، وأحداث الماضي القريب»، مؤكدا «أن كاتب التقرير استنتج وجود علاقة بين نواكشوط والقاعدة، انطلاقا من تحليله لمعلومة واحدة، وهي أن موريتانيا لم تشارك في الحرب الدائرة في مالي ضد الجماعات الجهادية، سواء عن طريق القوات الدولية أو عن طريق القوة المشتركة لدول الساحل الخمس»، مبرزا «أن ما قدمه من أدلة وبراهين لا ينهض كدليل قاطع على وجود تلك العلاقة المفترضة».
وكان الدليل الأول الذي ساقه الكاتب هو حديثه عن وصول «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» (GSPC) إلى مالي قادمة من موريتانيا، قبل أن يصبح اسمها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي « (AQMI).
وهنا رد الخبير أبو المعالي على كاتب التقرير مؤكدا «أنه لم يكلف نفسه عناء البحث في تاريخ هذه الجماعة، وإلا كان على علم بكونها جماعة جزائرية المنشأ والمنطلق، وأن صحراء مالي كانت أول أرض غير جزائرية يصلها عناصرها، بل لعلم كاتب التقرير، يضيف أبو المعالي، إن المقاتلين «الجهاديين» في الجزائر، اكتشفوا حالة التسيب والفوضى وغياب السلطة في مناطق صحراء أزواد (شمال مالي) منذ عام 1994، قبل تأسيس «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» بأربعة أعوام، واتخذوا منها ومن صحراء النيجر مسرحا لأنشطة التدريب والتسليح وتهريب المؤونة والسلاح إلى العمق الجزائري، وكان تنظيمهم يومها يحمل اسم «الجماعة الإسلامية المسلحة « (GIA)، غير أنه في منتصف عام 2000 ـ بعد تأسيس «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» بعامين ـ قرر أمير منطقة الصحراء في تلك الجماعة، «المختار بلمختار» الاستقرار مع عدد من عناصره في صحراء شمال مالي، واتخذوها قاعدة خلفية لتدريب وتأهيل المقاتلين، وشراء السلاح وتهريبه إلى الجزائر».
أما الدليل الثاني الذي ساقه كاتب التقرير للتأكيد على وجود العلاقة بين نواكشوط والقاعدة، فهو مشاركة موريتانيا في قوات حفظ السلام الدولية في وسط افريقيا، ورفضها المشاركة في قوات حفظ السلام الدولية في مالي جارتها القريبة.
وأكد أبو المعالي «أن كاتب التقرير غفل عن جملة حقائق تتعلق بالوضع الداخلي المالي، والعلاقة الموريتانية المالية الحساسة، بحكم الجوار الجغرافي والتداخل الديمغرافي والتآصر الاجتماعي، هذا فضلا عن أن تجربة موريتانيا في الشراكة العسكرية مع مالي خلال ملاحقة الجماعات «الجهادية» هناك، كانت كفيلة بإعادة التفكير ألف مرة قبل أي تحالف جديد مع باماكو، فقد اكتفت مالي باستضافة المعارك على أراضيها والتفرج على أحداثها في سنوات 2009 و2010 و2011، بل كانت مساهمتها الأهم في تلك الحرب، هي التخلي عن الجيش الموريتاني قبل ساعة من بدء المعركة، وتزويد الطرف الآخر بخطط المعركة ومعلومات الكتائب الموريتانية، وهو ما حصل في معركة «غابة واغادو» منتصف عام 2011.»
وممن تناولوا قضية الهدنة المفترضة بين موريتانيا وتنظيم القاعدة، الصحافي الفرنسي نيكولا بو مدير موقع «موندا افريك» والمتتبع النشط لسياسات موريتانيا في الساحل.
وقال نيكولاي بو، الذي تعتبره الحكومة الموريتانية عميلاً لمعارضيها في الخارج، «أن وثائق بن لادن تُفسِّرُ كثيراً من الأحداث».
وأكد في تعليق له على الوثائق «أن موريتانيا الجنرال عزيز دخلت في اتفاقية «عدم اعتداء» مع القاعدة وأنّها أخلصت فيها، فقد رفضت المشاركة في التحالف الجهوي ضدّ القاعدة (وهو ما فُهِم في حينه في الأوساط الفرنسية أنّه تعاطف عشائري قبائلي لموريتانيا تجاه أزواد)، حسب نيكولا بو.
ويضيف نيكولاي «في المقابل هاجمت القاعدة كل بلدان الساحل باستثناء موريتانيا. ويذهبُ بو «إلى أن موريتانيا دفعت الملايين للقاعدة مقابل توقفها عن اختطاف الأوروبيين في موريتانيا، كما أطلق الجنرال عزيز سراح سندة ولد بوعمامة الناطق باسم «أنصار الدين»، بدون تقديمه للمحاكمة، في إطار هذه المعاملة؛ ورفض إمضاء عقوبة الإعدام على قيادات القاعدة كالخديم ولد السّمان، المحكوم عليه منذ 2010».
ورغم وجود كل هذه القرائن يؤكد محمد محمود أبو المعالي «أن المؤشرات والمعطيات والمعلومات المتوفرة تنفي بالقطع وجود هدنة بالطريقة المنصوص عليها في الوثيقة التي نشرها الأمريكيون عام 2016 إذ تعود الوثيقة إلى سنة 2010، يضيف أبو المعالي، وقد أعقبتها أحداث دامية في المواجهة بين القاعدة وموريتانيا، حيث أرسلت القاعدة في بداية عام 2011 سيارتين مفخختين إلى العاصمة نواكشوط انفجرت إحداهما قرب حي الرياض جنوب العاصمة، وتم توقيف الثانية في بوادي ولاية الترارزة، كما هاجم الجيش الموريتاني معاقل مقاتلي تنظيم القاعدة في غابة وغادو شمال مالي في حزيران / يونيو عام 2011، واشتبك معهم في معركة ضارية، وفي بداية شهر يوليو/تموز عام 2011 هاجمت القاعدة مدينة باسكنو الموريتانية برتل عسكري ضم قرابة 25 سيارة وعشرات المقاتلين، كما اختطف عناصر تنظيم القاعد بعد ذلك دركيا موريتانيا من مدينة عدل بكرو في كانون الاول/ ديسمبر عام 2011».
ويخلص إلى تأكيد «أن دخول تنظيم القاعدة بداية عام 2012 في تحالف مع جماعة أنصار الدين للسيطرة على كبريات المدن الأزوادية، دفعه إلى وقف أنشطته خارج منطقة أزواد والتركيز على الواقع الجديد المتمثل في ضبط وتسيير شؤون المدن بشكل يومي، ومحاولة تعويض دور السلطات التي تركت المنطقة، ليبدأ الفرنسيون والأفارقة الحشد للحرب التي ستنطلق بعد ذلك مطلع عام 2013، بدون مشاركة موريتانيا فيها، وهو ما قابله تنظيم القاعدة بوقف أنشطته المسلحة ضد موريتانيا».
وفيما يتواصل هذا النقاش يركز المدونون المعارضون لنظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز على إظهار أمر واحد هو «زيف تبجح الحكومة بتأمين الحدود الشرقية الذي اتضح أنه ليس ناجماً عن سياسات أمنية وعسكرية محكمة بل عن جزية يتحملها دافعو الضريبة وتدفع بطريقة سرية لأشباح السـاحل».