قصة طويلة!
تلقى صندوق الحالات المستعجلة في مشفى “الصداقة” 50 أوقية جديدة من سيدة أحضرها ذووها، وتبين أنها أصيبت بوعكة بسيطة جدا لم تتطلب أي تدخل طبي.
السيدة موريتانية عادية لا علاقة لها ولا فهم ولا خوض في أمور السياسة و”شؤون الساعة” العربية والدولية.
أخبرها أحد “المكثرين” أن التمرات التي فطرت بها هي من تمر “إسرائيلي” فبادرت الحمام وقاءت ما في معدتها، وبالغت في التقيؤ حتى توعكت. ولكنها لم تندم حين رجعت وأقسم لها البقال أن التمور التي يبيع كلها جزائرية أو تونسية، وأنها أخطأت.
*
أكثر ما يقلق الصهاينة في فلسطين هو هذه “الروح” الفطرية لدى الشعوب العربية، والمسلمين عامة.
لقد كسبوا المعارك الصعبة، وهزموا أقوى الجيوش العربية مجتمعة، وهودوا معظم فلسطين، وسيطروا على شعبها المنتفض بالقتل والنفي والكيد، ولعبوا بالساسة العرب، وحققوا التفوق العسكري والتقني والنجاح الصناعي والاقتصادي والسياسي… وحصدوا ثمرات ذلك تركيعا وتطبيعا مع كافة الأنظمة العربية تقريبا؛ التي انخرط بعضها في علاقات تشبه السخرة السياسية لصالح هذا الكيان، ومحاولة فرض محبته بالإكراه على شعوبهم…
إلا أن الصهاينة ظلوا ـ ولا يزالون ـ يتجادلون بينهم: ما فائدة كل ذلك، طالما أن هذه الشعوب والمجتمعات العربية، من أدناها لأقصاها، تناصبنا العداء الراسخ الشامخ… وما ذا نملك حيال هذا القدَر القاهر…؟!
ويجيب حماة “إسرائيل” في أمريكا وأوربا: لا نملك لهذه المعضلة حلا غير معاقبة هؤلاء الشعوب العرب وقهرهم بتسليط أنظمة استبداد وفساد من أصلابهم عليهم، يسومونهم سوء العذاب وسوء الإدارة، ويضمنون بقاءهم خدن البؤس، وضحايا التخلف والفساد والتمزق والهوان…!
*
التطبيع مع العدو “الإسرائيلي” مع ذلك لا يعترف باليأس ولا التوقف… وها هو في طبعات جديدة أكثر شراسة وأكبر كلفة؛ يتوسع إلى مناطق كانت عصية عليه في الظاهر على الأقل، وأصبح اليوم يبتزها على جبهتين: جبهة اقتصادية انتقامية تصل حد دفع الجزية للصهيونية العالمية الأوسع، وجبهة سياسية تقوم على إذلال الأنظمة العربية، وتحدي العالم أجمع… مثلتها أخيرا عملية نقل السفارة الأمريكية على إيقاعات صرخات القتل والكسر في الفلسطينيين العزل، بينما الزعماء والقادة العرب تحت الأرض لا تحس منهم من أحد ولا تسمع لهم ركزا…
*
الطبعة الجديدة من التطبيع، التي أظلت زمانكم مثلثة الأضلاع:
– انخراط شامل للأنظمة العربية، لا حياء فيه ولا تحفظ ولا نكوص؛
– الاستفراد بالفلسطينيين وعزلهم، و”تنقية” الذمم والحسابات والإعلام من كل شأن هم فيه، وتبني معالجة “إسرائيل” لأمرهم داخل فلسطين، والمعالجة الأمريكية له على الساحة السياسية والديبلوماسية؛
– اعتبار أي مقاومة للمحتل “الإسرائيلي”، أو الدعوة لها، إرهابا عالميا تجب مواجهته من الجميع. وربط مقاومة التطبيع بالإرهاب ومعاداة السامية… (في تهيئة لخطوة أكبر قادمة تمس المناهج والنصوص والعقائد المقدسة).
**
ومما لا يحتاج دليلا أن هذا القدر العمودي من التطبيع، وما يجلب للصهاينة جميعا من المزايا والخدمة، مرهون ومرتبط بقاؤه بوجود أنظمة ديكتاتورية، وباستمرار الاستبداد والحكم الفردي المطلق في العالم العربي… بنفس الدرجة المقابلة التي ستنتج النهوض والمقاومة والعزة، لو سادت إرادة الشعوب العربية وتمكنت من اختيار أنظمة تقف وتقعد مع إرادتها الحرة ولا تملك محيصا عن تلبية رغباتها ومصالحها المادية والمعنوية.
*
ها قد وضعت النقاط على الحروف…
إلا أنه مهما يكن سيظل التطبيع متحجرا محصورا بين قادة ومؤسسات الصهيونية، وبين قصور المُلك والرئاسة العربية، وأفراد قلة من السفهاء والمرتزقة، لا يخلو منهم زمان ولا مكان..
محمد محفوظ أحمد
مورينيوز