هنا انواكشوط والنقطة هي إشارة المرور عند أحد ملتقيات الطرق، هنا قبلة المتسولين، او مكان عمل الباحثين عن المال، تفيد بعض الاحصائيات أن عدد المتسولين يتجاوز 2000 آلاف نسمه فضلا عن أفراد عوائهم، وهو رقم في ازدياد فقلما تقف بك سيارة التاكسي عند تقاطع للطرق في انتظار أن تسمح لها إشارات المرور بالسير حتى يتدفق عليك أعداد هائلة من المتسولين رجالا ونساء كبارا وصغارا يهتفون بشعارات استجدائية وطرق مختلفة. ليست الشوارع وحدها ولا ملتقيات الطرق ملاذ ممتهني ظاهرة التسول في موريتانيا التي أصبحت حرفة تدر الربح الوفير على أصحابها، الذين يطلبون المال من أجل العيش بل يلاحظ وجودهم بشكل لافت قرب الإدارات العمومية وفي الطرقات وداخل المساجد وحتى في المستشفيات والأسواق.. “دمبا” عامل بناء له ثلاثة عشر ولد لا يكفيه دخله اليومي لإعالتهم جميعا، فاضطره الأمر لإرسال ثلاثة منهم للتسول كما يقول ابنه، موسي “دمبا” البالغ من العمر عشرة أعوام وهو يحمل إنائه الذي يخصصه لاحتضان ما جمع من صدقة وتبرعات، و يواصل طريقه إلي حيث يجد ضالته المنشودة قرب السوق المركزي “كبتال” أو عند احدي إشارات المرور حيث يخدمه ازدحام السيارات والمارة عند ملتقيات الطرق للتمكن من استجداء المواطنين، ويبرر ولد “دمبا” ممارسته للتسول بالقول “إن حاجة أهلي الملحة لما يسدون به رمق عيشهم، وعدم حصولي علي فرصة عمل في أي مهنة أخري، جعلتني أتردد بين أماكن مختلفة من العاصمة أطلب ما يتكرم به بعض المواطنين من الصدقات علي الفقراء، من أجل كسب القوت اليومي لأبي وأمي وإخوتي الصغار البالغ عددهم قرابة “13” فردا حيث لم يتمكن والدي من إعالتنا جميعا فأمر ثلاثة منا وأنا من بينهم بالتسول في المدينة علنا نساعده علي جلب بعض من النقود تهون عليه صعوبة الحياة القاسية”.. الأرامل يبحثن عن لقمة العيش لا تعرف المرأة الموريتانية في سالف الزمن الشارع أصلا، ولا تعرف ان تعلم، فهي كما يقوم عنها علماء الاجتماع في إسقاطاتهم على الواقع الموريتاني، تربى على عدم الإنتاج لتصبح متسولة في البيت ، لكن هؤلاء الذين غيب الموت أزواجهن ، لهن قصة أخرى. تقول عيشة “لإيلاف” وهي إحدى المتسولات انه في ظل ارتفاع الأسعار وانتشار البطالة لم يقي لدي الأرملة التي ليس لها معيل إلا امتهان التسول في سبيل اكتساب لقمة العيش. لتعزز “عيشة” قولها فتضيف أنا أرملة وأعيل علي عدد من الأبناء ليس لهم أب وأنا أقربائي فقراء وليس لنا إلا الله، والاعتماد علي ما أحصل عليه من جيوب الأغنياء. ترابط “عائشة ” رفقة زميلات لها أخريات امتهن التسول حيث يركن بعض رجال الأعمال سياراتهم، ويبقين هناك يحضرن ما يلين القلوب من عبارات استجداء وعطف، حتى نهاية الدوام، فيتدافعن نحو أول قادم من تلك المكاتب، ولكل واحدة منهن حكايتها (ليس لي معيل، أو مصابة بمرض عضال، أو بت البارحة أنا وأبنائي علي الطوي) . أسباب وجيهة لتزايد المتسولين تتنامي ظاهرة التسول في موريتانيا بشكل كبير، حيث يتكاثر أعداد المتسولين من حين إلي آخر ويقول الباحث الاجتماعي الأستاذ محمد الحافظ ولد الغابد “لإيلاف” إن التسول في موريتانيا انتقل من ظاهرة إلي مهنة لدي عشرات من فقراء البلد، إلا أن هناك أغنياء دأبوا علي امتهان التسول نتيجة، تعاطي المجتمع الموريتاني أصلا مع أي سائل مهما كانت درجة فقره أو غناه، وهناك ثلاثة معطيات أساسية يمكن أن نقول أنها ساعدت علي انتشار ظاهرة التسول في موريتانيا بشكل واسع. المعطي الأول يتمثل في سوء الأوضاع المعيشية للمواطنين والذي تغذيه جملة من المؤثرات الأخرى من بينها الارتفاع المستمر لأسعار المواد الغذائية والأدوية، ثانيا سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية علي مستوي الدولة التي لم تقم بتوفير مؤسسات للخدمة الاجتماعية لفقراء البلد. ثالثا تدهور الوسائل التي كان الموريتانيين يعتمدون عليها في حياتهم المعيشية كالتنمية الحيوانية والزراعة المطرية إلي غير ذلك.. مما جعلهم ينتقلون إلي العاصمة نواكشوط من أجل مصارعة الحياة المعيشية التي لا يتحمل الصبر عليها في العاصمة إلا من وجد فرصة عمل قد لا يكون في وسع الجميع الحصول عليها لانتشار ظاهرة البطالة بين المواطنين، حيث لم يبقي أمام الكثير منهم سوي امتهان التسول. أرقام مخيفة رصدت الدولة في ميزانيتها لسنة 2008 مبلغ 250 مليون أوقية لصالح تمويل برنامج مكافحة التسول، إلا أن القائمين على التسيير المباشر لهذا البرنامج يؤكدون أنهم لم يتسلموا -لحد الساعة- سوى ما نسبته 33% من المبلغ المذكور. وقد توقف البرنامج نهاية شهر يوليو من العام 2008 بعد أن استنزفت هذه النسبة في تغطية الحاجيات اليومية للمستهدفين في مراكز الإيواء، وهي الحاجيات المتمثلة في مصروف يومي نقدي يبلغ 400 أوقية لكل فرد، ومصاريف العلاجات الطبية بما فيها الفحوص والأدوية والعمليات الجراحية. وبفعل توقف صرف مخصصات البرنامج، اضطر القائمون على مراكز الإيواء إلى إغلاقها بعد أن هجرها المتسولون، بحثا عن رزقهم في الشارع. وكانت الميزانية المخصصة لبرنامج مكافحة التسول، تتمثل في تمويل 933 نشاطا مدرا للدخل، بمعدل مشروع لكل متسول معيل، فيما تبلغ حصة المشروع الواحد من التمويل 150 ألف أوقية. وقد حولت هذه الميزانية لمفوضية الأمن الغذائي، لتباشر صرفها لمستحقيها، عبر إدارتها المكلفة بالشؤون الاجتماعية.. بيد أن القائمين على برنامج مكافحة التسول يؤكدون أن الإدارة لم تصرف من هذه الميزانية سوى ما يناهز 33% على شكل أقساط غير منتظمة، رغم وجود التمويل الإجمالي في حسابها منذ بداية تنفيذ ميزانية السنة الجارية. وتبلغ الحصة التي تقدمها إدارة الحماية الاجتماعية لكل مستفيد من المشروع 90 ألف أوقية، على أن يدفع المعني مبلغ 10 آلاف في حساب يفتحه في أحد الصناديق التابعة للشبكة الشعبية للقرض والادخار، المعروفة بصناديق “كابيك”. ورغم أن المستهدفين بالبرنامج أوفوا بدفع حصتهم في تلك الصناديق -أي ما مجموعه 9 ملايين و330000 ألف أوقية- إلا أنهم لم يحصلوا على النسبة التي كان يفترض أن تدفعها لهم مصالح المفوضية في تلك الحسابات. علي الرغم من أن مراكز إيواء المتسولين في نواكشوط تم إغلاقها من طرف القائمين عليه، لأسباب تم تناولها تبقي الأرقام والإحصائيات التي قامت بها هذه المراكز خير شاهد علي تزايد أعداد المتسولين في نواكشوط، حيث تقول الإحصائيات أن العدد الأصلي للمتسولين داخل مراكز الإيواء يبلغ 1226 التحقت بهم بفعل الحملة الأخيرة- 639 ليصبح العدد الكلي اليوم 1865 وعند احتساب أفراد عوائلهم يقترب العدد من 7000 شخص، كان من المفروض أن يستفيدوا من الأنشطة المدرة للدخل، الممولة لصالح هؤلاء. نسبة ثلث التمويلات التي صرفت لحد الآن لا تتجاوز حوالي 64 مليون أوقية؛ وهو ما يكفي لاستفادة 515 شخصا فقط. ويبدو أن مخاوف المستهدفين بشأن انتهاء السنة الحالية قبل صرف الميزانية المخصصة لهم، لا تخلو من بعض الوجاهة؛ خاصة وأن مصدرا مطلعا نقل عن مدير الحماية الاجتماعية قوله في اجتماع خصص للموضوع، إن النسبة التي تم صرفها تقارب الثلثين؛ مما يعتبره المعنيون مؤشرا على أن ثلث ميزانية البرنامج على الأقل، بات في عداد المجهول.. وأن كل أكثر ما يمكن للمتسولين أن يحلموا بالحصول عليه لن يتجاوز الثلث الأخير، مع أن ما تبقى من أيام على انتهاء السنة الحالية، لا يبشر بقرب تحقق مثل هذا الحلم. عبد الله أمانة الله