كثيرة هي القصص المؤلمة التي نسمعها عن "موريتانيا الرحيمة"، وكان من آخر هذه القصص التي استوقفتني خلال هذا الأسبوع هي قصة معاناة ذلك الشيخ الذي يقترب عمره من الثمانين، والذي يعاني من المرض، ولكن، وعلى الرغم من كل ذلك فقد منع من السفر إلى الخارج للعلاج.
أما القصة المؤلمة الثانية فهي تتعلق بشيخ سبعيني يمارس التنمية الحيوانية لإعالة أسرته، وقد اضطر في الأيام الأخيرة لأن يطلق صرخة استغاثة،
وذلك بعد أن فشل في الحصول على علف، وبعد أن فشل كذلك في الحصول على راتبه كمدرس متقاعد.
دعونا نستمع إلى قصة الشيخين، ولنتذكر ونحن نستمع إلى القصتين بأنهما حدثتا في "موريتانيا الرحيمة".
لا جواز سفر للشيخ المريض
تتعلق القصة الأولى بمعاناة شيخ مقاطعة بابابي ينجه ولد أحمد شلل، والذي كان قد تم اقتياده منذ أشهر من مقاطعته إلى "العدالة" دون أي احترام لسنه أو لمكانته، وكان ذلك في إطار عقاب الشيوخ على تصويتهم ب"لا" على التعديلات الدستورية..اليوم يعاني هذا الشيخ من المرض وهو يريد أن يسافر إلى الخارج للعلاج وقد أصدر القاضي قرارا بتسليمه جواز سفره وتمكينه من الذهاب إلى الخارج للعلاج ولكن النيابة العامة ترفض تسليم الجواز.
فأين هي "موريتانيا الرحيمة"؟
ولماذا يسكت الجميع أمام ظلم هذا الشيخ المريض؟
يمنع شيخ من السفر إلى الخارج للعلاج، ويقترب شيخ آخر من إكمال سبعة أشهر في السجن دون محاكمة، وذنبهما أنهما صوتا ب"لا" على تعديلات دستورية منبثقة عن حوار أحادي، وهي التعديلات التي سيتم رفضها فيما بعد من طرف أغلبية الشعب الموريتاني، وذلك من خلال مقاطعته الصريحة لاستفتاء 5 أغسطس 2017.
أيعقل أن يظل شيخ بابابي المريض والبالغ من العمر ثمانين حولا ممنوعا من جواز سفره، ومحروما بالتالي من العلاج؟
لا علف لقطيع المدرس المتقاعد
القصة الثانية سأترك صاحبها يرويها بنفسه..لقد كتب هذا الشيخ السبعيني في موقع وكالة كيفة للأنباء مقالا جاء فيه : "أنا الموقع أسفله بدين ولد أمين في السبعين من العمر مدرس متقاعد، بعد تقاعدي امتهنت رعي البقر والاعتماد عليه بعد التوكل على الله.
عندي عيال متنوع في العمر والنوع منهم من لهم شهادات عليا مثلا : أحدهم حاصل على الماستر في علم البيولوجيا ومنهم من له شهادات في المحاسبة والكهرباء والباقي صغار مازال في مرحلة الدراسة والجميع عاطل عن العمل.
أما أنا فكما ذكرت عندي قطيع من البقر كنت أعيل به هذه العائلة وفي هذه السنة الشهباء أو الحمراء- المباركة – أم رعت مراعينا الله الحمد، لكن المنمين تكالبوا عليها حتى أصبحت قاعا صفصفا فنزحنا منها إلى الجنوب وكلما نزلنا بمرعى تزاحمت عليه المواشي حتى وصلنا الحدود المالية ، والآن أصبح المرعى هشيما تذروه الرياح !؟
وضاقت السبل أمامنا مع أن الحدود المالية غير آمنة تماما ومع ذلك استبشرنا خيرا عندما فتحنا الإذاعة الموريتانية في الأسبوع الماضي واستمعنا إلى خطاب وزيرة التنمية الريفية حيث قالت : إن جميع نقاط محلات أمل أصبحت مليئة بالأعلاف الحيوانية الجيدة المتاحة أمام جميع المنمين فذهبنا إلى ولد ينج دكانا دكانا قرية قرية فصرحوا لنا جميعا أن الأمر مازال في الإذاعة !؟
ثم ذهبنا إلى مقاطعة كنكوصة وصرحوا لنا بنفس الشيء!؟ فذهبنا إلى مدينة كيفه واتصلنا بالمندوب الجهوي وبأصحاب دكاكين أمل فردا فردا حيث قالوا :" وصلتنا كميات من القمح وبدأنا بتوزيعها بمعدل خنشة لكل من هب ودب ثم جاءنا أمر بتوقيف التوزيع حتى يأتينا علف ركل الذي لم يأت بعد "!؟
فما العمل يا الله؟ ذهبت إلى المصرف لآخذ راتب التقاعد الذي كنت أحصل عليه كل ثلاثة أشهر فقال لي صاحب المصرف أن راتب التقاعد في هذه السنة لا يحصل عليه إلا بعد ستة أشهر وبعد تقديم شهادة حياة من الحالة المدنية مصدقة من طرف محل إقامة المعني فما العمل يا الله ؟
ونحن الآن في زمن الشتاء لا يمكننا أن نقوم بصلاة الاستسقاء وطلب المطر من الله لأن الأرض مجدبة وباردة وستهلك مواشينا إذا سقط عليها المطر في هذه الظروف !؟ فما العمل يا الله!؟
إلهي إلهي أنت وحدك أرتجي * * * فمالي من زيد سواك ولا عمرو
كيفه بتاريخ 10/ 2/ 2018" ..انتهى ما كتبه بدين ولد ألمين، وسأترك لكم الفرصة لأن تتخيلوا حال عشرات الآلاف من المنمين في بقية ولايات الوطن، والذين لا يمتلكون القدرة على التعبير عن معاناتهم من خلال مقال أو من خلال أي وسيلة أخرى.
حفظ الله موريتانيا..