- إذا كان هناك ما يستطيع التفوق في تواضع المستوى على إعلان ترامب الطفولي والجانح أن القدس هي عاصمة إسرائيل، فقد كان ذلك هو رد الفعل البائس من الدول الإسلامية. هكذا استهل روبرت فيسك مقاله المنشور في صحيفة «الإندبندنت» البريطانية يوم الخميس. وأضاف فيسك أن جميع من كانوا في إسطنبول هم الكهول نفسهم المتعبون الذين لطالما استمعنا إليهم سنواتٍ طويلة. لم يكن هناك من هو أكثر حزنًا وبؤسًا من «الرئيس» الفلسطيني الكهل عديم النفع محمود عباس.
كان من المفترض أن يكون هناك 57 زعيمًا لدول منظمة التعاون الإسلامي في العاصمة التركية -يتابع فيسك-، لكن بعضهم كان ببساطة شديد الكهولة والخرف –مثل الرئيس الجزائري بوتفليقة الغارق في غيبوبته–، أو شديد الانشغال بمهاجمة الدول العربية الأخرى، أو قصف اليمن. آه، نعم، بالطبع، لقد طالبوا «المجتمع الدولي» بقبول القدس الشرقية «عاصمة» لفلسطين، عاصمة لدولة ليس لها وجود، وبهذا المعدل لن يصبح لها وجود في أي وقتٍ قادم. لقد كان مجرد هراء من منظمة (غيرت بالفعل اسمها مرتين) لا يقدم أي أمل أو مبادرة أو عدل أو مستقبل لشعوب ديكتاتورياتها الجمعية.
في مواجهة الفشل الأمريكي في الشرق الأوسط -يتابع فيسك- اعتقد بعض هؤلاء الرجال المهذبين أنه ربما يمكن للأمم المتحدة أن تكون الوسيط الجديد في المنطقة. يا للمفاجأة! جُلب «حمار» الأمم المتحدة العجوز إلى القدس والضفة الغربية، وما لا يحصى من الأماكن الأخرى «بما في ذلك لبنان، بالطبع» إذ لن يكون عليك مجرد اقتراح وجوده؛ فسوف يظهر «الحمار» من تلقاء نفسه.
يكمل فيسك: العالم -وهو مبدأ مثير وسط مصطلحات الشرق الأوسط- والولايات المتحدة لن يقلقا إلا إذا كان لدى هؤلاء الرجال المتعبين الشجاعة، أو ما اعتدنا على تسميته شجاعة إداناتهم، إذا كانت الولايات المتحدة قد ألقت بنفسها خارج عملية صنع السلام – وهو ما يفترض أنها قامت به، على الرغم من أنني لا أثق في عدم استجابة عباس إذا هاتَفَهُ البيت الأبيض – فإن على هؤلاء الملوك التفكير في مقاطعةٍ دبلوماسية للأمم المتحدة، أو قطع العلاقات، بل حظر نفطي طفيف تتزايد حدته، كان هناك وقت كانوا يقومون فيه بذلك النوع من الأشياء.
يشير فيسك إلى أن ذلك لن يحدث؛ فالسعوديون يقصفون اليمن ويقاطعون قطر وليس الولايات المتحدة، وينتظر الإيرانيون ما سيقوم به السعوديون من أذىً في لبنان، للمفارقة، كان الرئيس اللبناني ميشيل عون هو من تحدث عن المؤامرات والصمت والعجز وخطر التطهير العرقي، عون الذي ليس بفيلسوف -هو جنرال سابق آخر- لكنه وضع يده على حقيقة الأمر تقريبًا. لقد كانت الكلمة الوحيدة الجادة في إسطنبول. ربما كان من الحكمة أن يقوم عباس باختصام قرار ترامب في المحكمة الدولية، لكن القيادة الفلسطينية فاترة «وفاسدة» إلى درجة أنني أشك في مجرد حلمهم بمثل تلك الخطوة.
يتابع فيسك: وهذه هي المشكلة، إذا كان لديك رئيس أمريكي جانح، فإنك تحتاج إلى شبابٍ جادين -محامين دوليين، ومتفاوضين، ودبلوماسيين محترفين- للدفاع عن شعوب الشرق الأوسط. هناك قرارات للأمم المتحدة تكفي للتطبيق على القدس والأراضي المحتلة. لكن لا، لم نسمع كلمةً عن ذلك، بدا الأمر كما لو كانت اللامبالاة وانعدام الأمل هما ما يقودان تلك الشخصيات. أعلن الرئيس التركي على الأقل أن واشنطن لم يعد يمكنها أن تكون مفاوضًا، لكن ماذا بعد؟ إنه ليس عربيًّا وقد حوّل بلاده إلى شبه ديكتاتورية.
يمضي فيسك: لأن الحقيقة هي أن هؤلاء الزعماء المسلمين لم يعودوا صالحين، إنهم لا يمثلون أي شخص، قد يوجهون أنظارهم إلى روسيا في الأسابيع القادمة، إنهم يمثلون دولًا فاشلة ليس لديها ما تقدِّمه من أخلاقية أو شجاعة بحضورها في قمة إسطنبول، إنهم يتحدثون نيابةً عن العالم الإسلامي، ويعتقدون أنهم يمثلون المسلمين، وأنهم ثاني أكبر منظمة دولية بعد الأمم المتحدة.
ربما تعود مهمة تغيير المنطقة إلى أكاديميي الشرق الأوسط، أساتذة القانون والتاريخ «ليس أشباه السلفيين من الخليج»، ربما المعلمون وفاعلو الخير هم الذين يمكنهم كسر ذلك المأزق البشع في فلسطين. إنهم يناقشون ذلك في جامعاتهم -يُعقد مثل هذا المؤتمر بالضبط في بيروت في الوقت الحالي- لكن هناك شيئًا مفقودًا، إنهم لا يملكون السلطة، لم يعد هناك المزيد من إدوارد سعيد، وكم نفتقده اليوم. إن لغته شديدة القوة كانت لتفكك غرور واشنطن.
وهكذا لا يصبح لدينا سوى المأساة، يختتم فيسك مقاله بظنّه في أنّ جذور ذلك تعود إلى الحرب العالمية الأولى فيما بين عامي 1914 و1918، وليس فقط إلى وعد بلفور والذي نحيي هذا العام الذكرى المئوية له، ولكن إلى انهيار الإمبراطورية العثمانية وفشل العرب في تولي السيطرة على أراضيهم في تلك الأيام. هناك تاريخ لطيف للشرق الأوسط في الحرب الكبرى «يشير فيسك إلى كتاب أرض القلوب المتألمة لليلى طرزي فواز، المنشور منذ ثلاث سنوات عن دار نشر جامعة هارفارد» والذي يظهر مدى معاناة المنطقة والجوع الجماعي والمجاعات وضربات الجراد. ثم يصل إدموند اللنبي إلى القدس، باستخدام الغاز في طريقه إلى هناك، حينها كان الموت مصبوبًا على الجميع.