دعت المعارضة الموريتانية أمس سكان العاصمة نواكشوط للخروج في مسيرة كبرى يوم السبت المقبل للتعبير عن إرادتهم في التغيير.
وجاءت هذه الدعوة ضمن استئناف المعارضة لنشاطها الجامد منذ عدة أشهر وبعد حسمها خلافات داخلية، حسب ما أكد مصدر قيادي فيها.
ومهدت المعارضة للدعوة لمسيرة السبت المقبل، ببيان تحليلي شديد اللهجة انتقدت فيه السياسات التي ينتهجها نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز مؤكدة «أن البلد اليوم يعيش حالة احتقان حقيقي، وأن السؤال الذي يطرحه الجميع اليوم، سواء في البيوت، أو في الشارع، أو في وسائل النقل العمومية وحتى في المكاتب هو «إلى أين نسير؟»، تعبيرا عن القلق الذي يساور الجميع اليوم حول المصير المظلم الذي يقود إليه النظام هذا البلد».
وشددت المعارضة تأكيد «أنه حان الوقت للتحرر من الخنوع والخضوع لهذا الواقع المزري، فلا منقذ لنا ولا مخلص للبلد سوى تكاتفنا جميعا وتصميمنا على تغيير أحوالنا نحو الأفضل».
وأضافت المعارضة «يجدر بكل واحد منا أن يقف اليوم وقفة تأمل وتدبر صادقة، بعيدا عن ضوضاء الدعاية المغرضة والتجاذبات السياسية، لتقدير مدى حجم الضرر الذي لحق بالأغلبية الساحقة من هذا الشعب، سواء على مستوى الأفراد والأسر، أم على مستوى الوطن ككل، بعد انقضاء نحو عشر سنوات من حكم ولد عبد العزيز؛ لقد تقهقر المسلسل الديمقراطي، وحل تسلط الفرد محل سلطة القانون، وانتهك الدستور، وتم الاعتداء على المؤسسات المنتخبة وتشويه رموز الوطن وتجريمها في محاولة لطمس تأريخ البلد ومحو ذاكرته، وتم الاعتداء على الحريات وقمع التظاهرات والاحتجاجات السلمية، وحظر نشاطات الأحزاب السياسية، وإسكات الإعلام الحر، والاعتداء على حصانة البرلمانيين وسجنهم ومتابعتهم، ومتابعة الصحافيين والنقابيين ورجال الأعمال والمدافعين عن حقوق الإنسان، ومعاملة الجميع بالغطرسة والاحتقار، لا فرق في ذلك بين معارض أو موال».
وتوقفت المعارضة في بيانها عند الحالة المعيشية للسكان، فأكدت «تدهور القوة الشرائية للمواطنين الذين ساءت أحوالهم، حسب البيان، بفعل ارتفاع الأسعار والضرائب وانعدام السيولة لدى الأغلبية الساحقة منهم: ففي الفترة من 2008 ـــ 2017 ارتفع سعر كيلوغرام الأرز من 200 إلى 300 أوقية، وكيلوغرام السكر من 180 إلى 300 أوقية، ولتر الزيت من 320 إلى 450 أوقية، وكيلوغرام اللحم من 1000 إلى 2200 أوقية، وكيلوغرام السمك من 1000 إلى 2400، وقنينة الغاز من 2300 إلى 3300 أوقية، ولتر الكازوال من 280 إلى 384 أوقية».
وأضافت «وفي الفترة نفسها، انخفضت قيمة الأوقية من 241 إلى 370 أوقية مقابل الدولار الواحد، ومن 354 إلى 455 أوقية مقابل اليورو الواحد، وارتفعت مديونية البلد من 1.427 مليون دولار إلى 4.669 مليون دولار، وعمت صفقات التراضي بالمليارات، وأفلست شركات الدولة، وتركزت ثروة البلد في أيدي ولد عبد العزيز وحاشيته القريبة».
«وجاء تبديل العملة، تضيف المعارضة، لتغطية ارتفاع الأسعار وتدهور قيمة الأوقية أمام العملات الأجنبية. فزيادة أوقية أو خمس أواق مثلا على سعر مادة أساسية لن يظهر في عين المستهلك شيئا يذكر لتعوده على العملة الحالية، ولكنه في الحقيقة سيدفعه من جيبه بعشرة أضعاف هذه الزيادة، وذلك هي الحال بالنسبة لنقص قيمة العملة أمام العملات الأجنبية».
وتحدثت المعارضة في بيانها عن حالة التعليم والصحة، فأكدت «أن التعليم تدهور بصورة مقلقة، حيث بيعت المدارس وتحولت إلى حوانيت، وأصبح التعليم العمومي تكريسا للتهميش والتفرقة والفشل، وصار الكثير من المواطنين يتحملون ما لا يطيقون بحثا عن منقذ لمستقبل أبنائهم في تعليم حر يتسم هو الآخر بالفوضى والإهمال، وفقد المواطنون ثقتهم في المنشآت الصحية بفعل ضعف التجهيزات وانتشار الأدوية المزورة وأصبحوا يلجؤون للدول المجاورة بحثا عن العلاج، وعم العطش العديد من أحياء العاصمة والكثير من المدن والقرى في الداخل، ولم تلق استغاثة العالم الريفي سوى وعود لن تكون أحسن حظا من كل الوعود العرقوبية التي يطلقها النظام، وانتشرت الجريمة والقتل والاغتصاب بشكل لم يسبق له مثيل».
وأكدت المعارضة في انتقاداتها «أن النظام لم يكتف بإذكاء النعرات العرقية والشرائحية والقبلية من أجل تفكيك وحدة هذا الشعب، بل أضاف اليها عوامل جديدة للتفرقة والشقاق حيث فرض علما ونشيدا محل خلاف كبير بدل علم ونشيد ظلا موضع إجماع من طرف كل الموريتانيين بمختلف مشاربهم وأجيالهم».
وخلصت المعارضة للتأكيد بأن ما عرضته في بيانها «هو حال البلد اليوم، وهو الواقع الذي يعيشه المواطنون ويحسه كل واحد، ولا يمكن أن تحجبه دعايات النظام حول «الانجازات»، ولا يمكن أن تعلقه على شماعة «التراكمات».
ويشكل هذا البيان استئنافا متشددا لحراك المعارضة التي اقتصر نشاطها منذ أغسطس الماضي على إصدار بيانات موجزة حول مواقفها من بعض القضايا الآنية.
وخلال فترة توقف النشاط المعارض، نفذ نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز بإتقان، أجندته التي أسسها على حوار أجرته أغلبيته مع المعارضة الناعمة في أكتوبر من السنة الماضية؛ وتضمنت الأجندة تعديلات دستورية وتغييرا في العلم والنشيد الوطنيين وإلغاء لغرفة مجلس الشيوخ، وتأسيسا لمجالس جهوية منتـخبة.
وينتظر أن يبدأ مع استهلال السنة المقبلة، تنفيذ الجانب الانتخابي في الأجندة السياسية لحوار 2016، حيث ستنتخب المجالس الجهوية كما سيجري انتخابات لنواب الجمعية الوطنية وللمجالس البلدية، قبل أن تبدأ المعركة الكبرى المتعلقة بانتخابات 2019 الرئاسية.
وتخشى المعارضة الموريتانية من قيام الرئيس محمد ولد عبد العزيز بتغيير في الدستور عبر البرلمان يسمح له بالترشح لمأمورية ثالثة، برغم أن الرئيس نفى عدة مرات عزمه على هذا التغيير.
وسيكون على نظام الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز القوي بدعم الجيش وبمساندة القوى التقليدية، أن يستعد خلال المرحلة المقبلة لمواجهة ظرفية غير مريحة تشمل وضعا اقتصاديا واجتماعيا ضاغطا، وضربات لمعارضة وحدتها الظروف، ونشاطا لشيوخ ألغي مجلسهم ورفضوا الانصياع لذلك، هذا إضافة لمشاكل وتوترات مع بعض دول الجوار، واهتزاز في التحالف مع فرنسا بعد وصول ماكرون للسلطة بسياسة أفريقية جديدة.
القدس العربي