انطلقت أمس الجمعة في مدينة مراكش أعمال الاجتماع السنوي لمؤتمر السياسة العالمية في دورته العاشرة بمشاركة العديد من الخبراء. ويتيح المؤتمر فرصة للنقاش والتداول بشأن الرهانات الإقليمية والدُّولية الكبرى، بهدف الإسهام في تحسين الحكم الرشيد والخروج بأفكار جديدة وابتكار حلول ناجعة كفيلة بتحسين وتطوير النموذج التنموي لبلدان العالم.
ووجه العاهل المغربي محمد السادس رسالة إلى المشاركين في هذا الاجتماع تلاها المستشار الملِكِي، ياسر الزناكي، وشكلت أفريقيا أهم محاورها، حيث تم تأكيد أن التقدم الملاحظ الذي تشهده هذه القارة يحظى باهتمام متزايد من طرف المجتمع الدولي. وأوضحت الرسالة أن «التطلع إلى الازدهار والرخاء يعد عملية معقدة تتطلب النَّفَس الطويل. غير أن تحقيق التطلعات الكبرى للمواطنين، لا سيما المواطنين الأفارقة، لن يتم إلا عبر برامج التنمية البشرية والاقتصادية الشاملة على الصعيدين الإقليمي والقاري».
وجدد العاهل المغربي الدعوة إلى مواكبة نهضة القارة الأفريقية التي استطاعت أن تحدد مصيرها ومستقبلها بنفسها، معتمدة في ذلك على اتخاذ مجموعة من الإصلاحات الجريئة التي تم إطلاقها على المديين المتوسط والبعيد، لتشمل القطاعات. جميعها
وشدد على ضرورة بلورة استراتيجيات مبتكرة، ونهج سياسات طموحة تقوم على استثمار المنجزات التي تم تحقيقها حتى الآن، فضلا عن الاستفادة من المبادرات العالمية الناجحة التي تتلاءم وتنوع الواقع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي.
وفي الموازاة مع ذلك، دعا العاهل المغربي إلى تعزيز أداء المؤسسات، ودعم الحكم الرشيد، وتحسين طرق استخدام الأموال العامة بصورة جوهرية، موضحا أن اعتماد سياسات ناجعة وتنفيذها في مجالات التربية والتدريب المهني والصحة سيسهم من دون شك في تحقيق اندماج أفضل للشباب داخل النسيج الاقتصادي والاجتماعي. كما ستمكن هذه المبادرات من تحقيق نمو متزايد وشامل ومستدام سيتيح خلق فرص عمل جديدة، وبالتالي الزيادة في الإنتاج.
وقال الملك محمد السادس في رسالته: « لقد آن الأوان لإعادة رسم الأولويات الاستراتيجية للمجتمع الدُّولي على ضوء ما أصبحت تقدمه القارة الأفريقية. فاعتبارا للتطورات الحديثة، وللخطوات التي خطتها القارة الأفريقية نحو الأمام، والمعترف بها، أصبح من الضروري أن يسمع صوت قارتنا، وأن تصبح متمركزة في خريطة سياسية دولية بعد إعادة تصميم معالمها»، مضيفا : «لقد انفتحت أفريقيا على شراكات متعددة الأبعاد، شملت المجالات المؤسساتية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية والبيئية، وكذا المجالات المتعلقة بالتصدي للتطرف، ومكافحة الإرهاب.»
وخاطب محمد السادس المشاركين في المؤتمر قائلًا: «لقد ولى الزمن الذي كانت فيه أفريقيا قارة موصومة بالسلبية، معقدة من محيطها، لتظهر كقارة أفريقية واعدة متحفزة تلتزم وتتعهد بالتزاماتها، لتحل محل قارة خاضعة ومستكينة. وإن الاستغلال الأمثل للإمكانات، والموارد التي تزخر بها هذه القارة، سيمكنها من النمو السريع الذي سيكون له وقع على الساكنة بأكملها. إن قارتنا تتوجه بخطى ثابتة نحو الازدهار والرخاء، كما أنها تعيش تحولات حثيثة وفق نموذج خاص بها، وتفتح أبوابها أمام شراكات جد متنوعة. وبذلك، تتبلور معالم جديدة لأفريقيا باعتبارها قارة الخيارات، لا قارة الإكراهات.»
وسيعرف هذا المؤتمر الذي يمتد على مدى ثلاثة أيام عدة ورشات لنقاش مجموعة من المواضيع تهم «مستقبل جنوب شرق أوروبا»، و»الاستثمار في أفريقيا»، و»الثقة والحقيقة في العهد الرقمي»، و»الاقتصاد العالمي»، و»مستقبل وسائل النقل ..الربط والحكامة»، و»أمريكا والعالم سنة بعد انتخاب ترامب»، والذكاء الاصطناعي ومستقبل العمل البشري»، و»مستقبل التجارة والاستثمارات العالمية»، و»المالية والاقتصاد» و«الطاقة والمناخ» و»الاتحاد الأوروبي والعالم» و»التنمية بأفريقيا» و«الأمن بآسيا « و«الشباب الرواد» و« وضعية العالم».
ويشار إلى أن مؤتمر السياسة العالمية، الذي تأسس سنة 2008، يعتبر منظمة مستقلة تهدف إلى الإسهام في تحسين الحكم الرشيد في كل تجلياتها بهدف النهوض بعالم أكثر انفتاحا وازدهارا وعدلا ويحترم تنوع الدول والأمم.