لعقود طويلة من الزمان، اشتهرت موريتانيا بصناعاتها الحرفية التقليدية المتنوعة، لكن منذ سنوات بدأت تعاني هذه الصناعات إهمالا غير مسبوق، حتى بات الكثير منها مهدد بالاندثار، مع تدفق المنتجات الصينية، وابتعاد الشباب عن الحرف.
محمد ولد محمد الطالب، مدير مؤسسة التوفيق للصناعة التقليدية والتراثية (أهلية) قال إن "الصناعة الحرفية في موريتانيا باتت على وشك الاندثار تماما، إن لم تتم سريعا تعبئة الموارد اللازمة لإنقاذها".
وتابع الطالب، في حديث مع الأناضول، أن "الشباب الموريتاني هجر المهن الحرفية التقليدية إلى مهن أخرى، ما يعني أن السنوات القليلة القادمة ستشهد اختفاءً تامًا لتلك المهن، لعدم وجود من يشتغل بها".
ودعا السلطات إلى "ضخ أموال بشكل سريع، والترويج للمهن الحرفية، وتشجيع الشباب على الالتحاق بها، حتى لاتتحول موريتانيا إلى دولة بلا صناعة تقليدية حرفية".
وشدد على أن "الاستثمار في مجالات الصناعات التقليدية الحرفية في موريتانيا هو استثمار ناجح، ومن شأنه المساهمة في تقليص البطالة، وتطوير النشاط السياحي، مع ضمان حصول المواطن على منتج عالي الجودة بأيدي محلية".
** منتجات متنوعة
ومن بين المنتجات الحرفية التقليدية في موريتانيا : خياطة الخيم التراثية وصناعة المستلزمات المنزلية، مثل الأواني والملابس والمطرزات والسجاد والحصير والفخار، ومستلزمات ركوب الجمال والخيل، مثل السروج، فضلا عن الغزل والنسيج.
وتتولى النساء الحرفيات صناعة البضائع التي تشكل جلود المواشي مادتها الرئيسية، وبينها ملابس وفُرش وأغطية وسجاد.
كما يسهمن، بجانب الحرفيين الرجال، في صناعة الحلي التقليدية، من قلائد وخرز، مستخدمين أحجارا كريمة ونادرة.
وهذا النوع هو من أغلى الحلي في موريتانيا، ويشكل مصدر دخل جيد للحرفيين من النساء والرجال، وهو ما يمكنهم من المحافظة على استمرارية قطاع من الصناعة الحرفية التقليدية.
أما الحرفيين من الرجال فيركزون في صناعاتهم على مستلزمات المنازل، مثل الأواني، إضافة إلى تجهيزات المكاتب.
** صانع خبير
ووفق "سلاك ولد اخديم"، وهو حرفي متخصص في صناعة أدوات منزلية، فإن "الصانع التقليدي الموريتاني خبير في صناعة العديد من الأدوات، بمختلف أشكالها واستخداماتها".
وأضاف "ولد اخديم"، في حديث مع الأناضول، أن "كل ما يمكن أن تحتاجه الأسر الموريتانية في المنزل يستطيع الصانع الموريتاني إنجازه بكل حرفية وإتقان".
ولفت إلى أن "الصانع التقليدي الموريتاني كان يصنع في الماضي منتجات كثيرة، منها آلات زراعية وأدوات منزلية".
وتابع : "اليوم، ومع ما حمله الزمن من تطورات، تطور الصانع التقليدي أيضا، فحين تدخل المنازل في أرقى أحياء العاصمة نواكشوط تجد كل المنتجات الفاخرة من صنع محلي".
** منافسة صينية
ولا يخفي العاملون في الصناعات الحرفية التقليدية في موريتانيا انزعاجهم من لجوء تجار إلى الصين لجلب منتجات مُقلدة لمنتجات موريتانية، وبأسعار منخفضة للغاية.
وقال "ولد اخديم" إن "العديد من التجار يراقبون سوق المنتجات التقليدية الحرفية في موريتانيا، وحين يتم تصنيع منتج جديد يبادرون إلى تقليديه في مصانع صينية، ثم يجلبونه بأسعار منخفضة للغاية".
وأوضح أن "مثل هذه البضائع المقلدة، القادمة من الصين، أثرت سلبا على سمعة المنتج الموريتاني، وأربكت أداء الصانع التقليدي".
وتابع أن هذا الصانع "يبذل جهدا ووقتا كبيرين لتوفير بضاعة متقنة، ثم بعد أسبوع تنتشر البضاعة نفسها، لكنها مزورة، في السوق بعد أن يجلبها تجار من الخارج.. هذا أمر خطير يجب أن تحاربه السلطات بقوة".
** استثمارات مطلوبة
ويقول القائمون على الصناعة الحرفية في موريتانيا إن الاستثمار في قطاعهم سيعود بفوائد كثيرة ومتنوعة، أولها حماية التراث الثقافي وصيانة الهوية الوطنية للأجيال القادمة، وتعزيز سوق السياحة، ولاسيما الثقافية منها، إضافة إلى المساهمة في محاربة الفقر.
وقال سيدنا ولد الهادي، المسؤول بوزارة الثقافة والصناعة التقليدية، إن "الوزارة أجرت دراسات عديدة، في الفترة الأخيرة، لإعداد خطة شاملة لتطوير الصناعة الحرفية التقليدية".
ومضى ولد الهادي قائلا، للأناضول، إن "الحكومة توفر مساعدات للمستثمرين في مجال الصناعة التقليدية، منها المشاركة في معارض خارج البلد، حيث تتحمل الوزارة أغلب التكاليف".
وأضاف أنه "توجد خطط لبناء قرية خاصة بالصناعة الحرفية التقليدية، إضافة إلى معرض دائم في نواكشوط، ومعهد للتدريب".
ودعا المسؤول الموريتاني إلى ضرورة "تغيير عقليات بعض رجال الأعمال، ليستوعبوا أهمية الصناعة التقليدية الحرفية، ويستثمروا أموالهم جيدا في هذا القطاع".
وشدد ولد الهادي على أن "الصانع التقليدي بحاجة إلى صناديق تمويل في فترتي التصنيع والتسويق".