أنواكشوط "موريتانيا الحدث " :
- يتقدم الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز تدريجيا في تنفيذ أجندته التي بدأها بالاستفتاء الذي نظمه في الخامس من آب/أغسطس الماضي حول تعديلات الدستور، حيث تواصل الحكومة تنفيذ نتاج الاستفتاء على مستوى تحرير النصوص وإعادة هيكلة المؤسسات.
ويجري هذا التنفيذ بينا توارت المعارضة الموريتانية فجأة عن الأنظار للأسبوع الثالث، حيث توقفت بياناتها ووقفاتها الاحتجاجية لأسباب غير معروفة، وهو ما اعتبره الكثيرون هزيمة سياسية لحقت بها وانتصارا للرئيس في معركة لي الذراع.
وافتتح البرلمان الموريتاني أمس أول دورة يعقدها بغرفة وحيدة بعد إلغاء مجلس الشيوخ، وهي دورة كان ينتظرها الرئيس لإعادة تشكيل الحكومة حيث أن المادة 46 (جديدة) من الدستور المعدل تنص على إلزامية أن تنال الحكومة ثقة البرلمان بعد تشكيلها.
وأكد محمد ولد ابيليل رئيس الجمعية الوطنية الذي أصبح نائبا للرئيس عند شغور منصبه حسب الدستور المعدل، في خطاب افتتح به أول دورة للبرلمان بغرفته الوحيدة، «أن الاستفتاء أفسح المجال لنفاذ الترتيبات الدستورية القاضية بإلزامية نيل برنامج الحكومة، بعد تشكيلها، ثقة الجمعية الوطنية واعتماد نظام جديد للدورات البرلمانية».
وأوضح «أن الاستفتاء كرس تفرد غرفة النواب بالسلطة التشريعية»، مضيفا قوله «إنها مكانة في نظامنا المؤسسي جديرة بأن تقدر حق قدرها، حيث ألقت على عواتقنا مسؤولية مضاعفة تستدعي التشمير عن سواعد الجد».
وقال «إن نظام الغرفة البرلمانية الوحيدة الذي استحدثته المادة 46 جديدة من الدستور، يتيح تسريع المسطرة التشريعية فعلا، إلا أنه في الوقت ذاته، يتطلب قراءة متأنية للنصوص ومراجعة دقيقة لها وهو ما تسمح به مضاعفة مدة الدورة البرلمانية التي أصبحت تصل إلى أربعة أشهر».
وكان غياب المعارضة الموريتانية عن المشهد، الحدث الأبرز الذي انشغل به مدونوها واستغربه نشطاء الساحة ومراقبوها.
وطرح نشطاء المعارضة على شبكات التواصل عشرات التدوينات والتغريدات التي تسأل عن المعارضة وتنتقد غيابها وصمتها عن مؤازرة السيناتور ولد غدة المعتقل وأعضاء مجلس الشيوخ المنحل الموضوعين تحت رقابة القضاء مع عدد من الصحافيين والنقابيين.
وانتقد القيادي المعارض محمد ولد دحان رئيس حركة «محال تغيير الدستور» وهي عضو في تحالف الثمانية المعارض، بشدة في مقال له أمس غياب المعارضة عن الساحة، مستغربا «الفتور الذي أصاب المعارضة وغيابها التام عن المشهد السياسي في البلد خلال الفترة الأخيرة ، وذلك برغم، حسب قوله، حساسية المرحلة وعظم الأحداث التي توالت وتتالت بعد الاستفتاء: إلغاء مجلس الشيوخ ؛ اختطاف وسجن السناتور محمد ولد غدة؛ وضع عدد من الشيوخ والنقابيين والصحافيين تحت الرقابة القضائية… كان كل ذلك من أجل الانتقام من الشيوخ على تصويتهم بـ»لا» على التعديلات الدستورية ، خاصة منهم الشيوخ المحسوبين على الموالاة، كما كان أيضا من أجل الانتقام من شخص رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو، الذي يعتقد النظام بأنه هو من يقف وراء تمرد الشيوخ».
وأضاف دحان «لهذا السبب بدأ الشك يتسرب إلى الجميع، وتولدت لدى أغلب المهتمين بالشأن العام، وحتى البسطاء من المواطنين قناعة مفادها أن المعارضة تجاهلت هذه الأحداث كلها عن قصد، وتعاملت معها وكأنها تجري في بلد آخر، ومن هنا جاز لنا طرح عدة أسئلة على معارضتنا المحترمة، وذلك بعد أن اختلطت علينا الأمور، ولم نعد نفهم منها شيئا؛ فهل كان السيناتور محمد ولد غدة هو المحرك الفعلي للمعارضة وبالتالي فعندما تم اعتقاله وقعت المعارضة في ارتباك شديد وتوقفت نهائيا عن التحرك؟؛ وهل أغلب قادة المعارضة يرون في الشاب الشرس والطموح خطرا على مستقبلهم السياسي، وبالتالي فإن التعاطف الكبير معه سيعطيه زخما أكبر ومصداقية أكثر لدى الشعب الموريتاني، ما قد يجعله منافسا قويا لبعض قادة المعارضة في الاستحقاقات المقبلة، خاصة أن قضية المرشح الموحد للمعارضة في رئاسيات 2019 – مع أني لا أراها إلا حلما من أحلام هذا السبات- قد أسالت لعاب بعض قادة المعارضة؟».
«أما السؤال الأخير، يضيف ولد دحان، فهو: هل قادة المعارضة لا يرون في ولد غدة سوى شخص مكلف بمهمة من طرف النظام؟ أي أنه مجرد استثمار مدخر لأوقات الشدة، وأن كل الذي نراه من خلاف بين محمد ولد عبد العزيز من جهة والسيناتور محمد ولد غدة ورجل الأعمال محمد ولد بوعماتو من جهة أخرى، ما هو إلا خدعة حيكت باحترافية كبيرة، والغرض منها هو سحب البساط من تحت المعارضة التقليدية، وتوريط بعضها في مواجهة غير محسوبة مع النظام، لم تكن المعارضة على استعداد لها، وهي في غنى عنها على الأقل في مثل هذا الوقت؟».
وبعد أن ناقش الكاتب هذه الفرضيات أضاف: «حتى إن سلمنا جدلا بأسوأ الفرضيات، وهي أن هذه مجرد لعبة أبناء العمومة، وأن للمعارضة الحق في عدم التعاطف مع السيناتور محمد ولد غدة، يبقى السؤال المطروح لِمَ تخلت المعارضة عن مجلس الشيوخ؟ وما هو ذنب الشيوخ الآخرين الذين رفضوا هذه المهزلة بكل شجاعة؟ ألا يستحقون التضامن والتشجيع؟ فلِمَ تجاهلتهم المعارضة وتركتهم يواجهون النظام لوحدهم من دون أن تكون لهم ظهيرا ولا سندا؟ ولِمَ غاب شيوخ المعارضة عن وقفات الشيوخ التي نظموها للتعبير عن رفضهم لإلغاء مجلسهم؟ ولِمَ لم يسجل بعض قادة المعارضة حضورا ولو رمزيا لإحدى وقفات الشيوخ التي ينظمونها كل أسبوع؟؛ وحتى النشيد الجديد، يضيف الكاتب، تجاهلته المعارضة، ولم تعلن رفضها له، ولو ببيان قصير لا تحتاج كتابته إلى حشد الجماهير المعارضة التي ذهبت إلى الداخل في فترة الخريف».
وتابع ولد دحان احتجاجاته على المعارضة قائلا «من هنا يستنتج المتتبع للشأن العام أن المعارضة قد أقرت بنتاج الاستفتاء، وقبلت بالدستور الجديد، وسلمت بالأمر الواقع الذي فرضه ولد عبد العزيز من خلال الاستفتاء، أي أن مجلس الشيوخ والعلم والنشيد وحتى الدستور أصبحوا جزءا من الماضي، وكأنها أرادت بسكوتها هذا قضاء فائتة التصويت بـ «نعم» على الدستور الجديد، وهذا هو الخطأ القاتل الذي توشك أن تقع فيه المعارضة، والذي سينضاف إلى سجل أخطائها الكثيرة، التي ربما تجعل منها المعارضة الأكثر أخطاءً بين كل المعارضات في العالم «.
وختم الكاتب مقاله الاحتجاجي على غياب المعارضة مضيفا «في نهاية هذه السطور لا يسعني إلا أن أعلن تفهمي لتعلل قادة المعارضة بفصل» الخريف « إنصافا لهم، إذ أن التأثير البالغ للمناخ في السياسة ليس بالشيء الجديد فبفضل ذلك التأثير حققت دول انتصارات وتهاوت إمبراطوريات وأُشعلت ثورات وأُخمدت تحركات وسقط رؤساء واستمر آخرون في الحكم، ومن ذلك أن قيصر روسيا بطرس الأول قال مرة إن لديه قوة لا تقهر متحدثًا عن شدة برد الشتاء في روسيا (الذي كان سبب هزيمة نابليون وهتلر) واليوم يمكن لولد عبد العزيز هو الآخر أن يقول المقولة نفسها بأن لديه قوة لا تقهر وهي خريف موريتانيا».
القدس العربي