انواكشوط "موريتانيا الحدث " :
- حذر الدكتور محمد إسحاق الكنتي الأمين العام المساعد للحكومة الموريتانية وأحد أبرز كتاب ومنظري الموالاة، المواطنين من الاغترار بالرؤية السياسية لحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية المعارض المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين.
جاء التحذير في مقال نشره الدكتور الكنتي وقوبل بردود ساخنة من الإسلاميين، وذلك ضمن جدل يتزامن مع حملة واسعة ينظمها قادة حزب التجمع هذه الأيام تحضيرا لمؤتمره الثالث المقرر قبل نهاية العام الجاري.
وأكد «أن حملة تجديد الانتساب لحزب التجمع، مناسبة لاطلاع القارئ على أمور من صميم فكر الإخوان الذي ينقسم إلى دعوى تشاع بين العامة لتحقيق مكاسب سياسية، وحقيقة تستأثر بها القيادة».
وشدد الدكتور الكنتي وهو من أبرز خصوم إسلاميي موريتانيا في الساحة الفكرية والسياسية الموريتانية تأكيد «أن خلافه مع الإخوان ليس سياسيا، ولا أيديولوجيا، وإنما هو خلاف حول تأويلهم السياسي للدين، وتدينهم السياسي؛ مضيفا قوله «ما أنقمه من الإخوان هو توظيفهم للدين خدمة لمصالحهم السياسية (..)، والهدف النهائي هو علمنة الإسلام، كما تعلمنت النصرانية».
وقال «كانت الكمالية (نسبة إلى كمال أتاتورك) هي المثال العلماني «المتنور» الذي اقترح على الأنظمة والنخب العربية ذات التوجه العلماني بعد الحرب العالمية الثانية، ولم تنتج التجربة سوى «البورقيبية» التي ظلت فكر نخبة مسيطرة يقاومه الشعب التونسي (عجز بورقيبة عن فرض إبطال صوم رمضان، والمساواة بين الرجل والمرأة في الإرث)، واليوم يقترح النموذج الأردوغاني على الأنظمة والنخب العربية ذات التوجه الإسلامي، ولم تنتج التجربة، حتى الآن، سوى «الغنوشية» برغم الدعاية والضغوط».
وضمن التحذير من الانتساب لحزب التجمع، انتقد الدكتور الكنتي الرؤية الفكرية لحزب التجمع المنشورة على موقعه وفي مقدمة ذلك غياب البسملة من النصوص، وغياب أية إشارة للإخوان وهو ما اعتبره الكنتي «تدليسا واضحا».
وأضاف «غياب أية إشارة إلى الإخوان، أو ذكر لهم، والانتساب إلى المرابطين، والموحدين، والمرينيين… تدليس واضح؛ فصلة حزب «تواصل» بحركة الإخوان المسلمين أثبت وأقرب من صلتهم بمن ذكروا، وفي ذلك غش لمن لا يعرف حقيقة القوم، فإخوان موريتانيا هم الأكثر التصاقا بالحركة الأم على مستوى التنظير والتنظيم والتمويل».
ونفى ما ورد في رؤية حزب التجمع بخصوص « السعي الجاد لتحكيم الشريعة الإسلامية وترسيخ مبدأ سيادة الشرع»، وقال «لا أساس لذلك من الواقع، فلم يعد الإخوان المسلمون عموما يسعون لتحكيم الشريعة، وإنما يلصقون هذه «التهمة» بالسلفيين للتحريض عليهم، ومنذ أن دخلوا البرلمانات العربية، نهاية التسعينيات، لم يسجل لنوابهم أي «سعي جاد لتحكيم الشريعة…»، وبعد فتنة الربيع لم يضع أي من أحزابهم، التي تناسلت، السعي إلى تطبيق الشريعة في برنامجه الانتخابي، فقد أطلق الإخوان شعار «الشرعية قبل الشريعة»، ويفسرونه بضرورة إقامة أنظمة ديمقراطية أولا، ثم يعرض تطبيق الشريعة على الناس، عن طريق ممثليهم، أو في استفتاء، فإن ارتضوها طبقت».
وتحدث الدكتور الكنتي في انتقاداته للإخوان «جلوس أحد منتخبي حزب «تواصل» في مجلس الشيوخ المنحل، بين امرأتين في قاعة فسيحة، ثم توجيه سؤال إلى وزير الدولة للتعليم.. «لِمَ لا تفرقون بين الجنسين في المدارس؟» (…)، وللشيخ في هذا سلف من الإخوان؛ فقد طالب الهضيبي عبد الناصر، رحمهما الله، بفرض الحجاب في الجامعات المصرية. فسأله عبد الناصر هل ابنتك محجبة؟ قال: لا! قال: هل تستطيع فرض الحجاب عليها؟ رد الهضيبي: لا! فقال عبد الناصر: كيف تطلب مني أن أفرض في الجامعات ما تعجز أن تفرضه في بيتك!!! ثم جاء مرسي ولم يطالبه أحد بفرض الحجاب في الجامعات!!! ذاك هو التدين السياسي، أي ادعاء التمسك بالدين لتحقيق مكاسب سياسية»، حسب تعبير الكاتب.
وتحدث الدكتور الكنتي مطولا عن تبني حزب «تواصل» للشورى، وأضاف « من أنتم!!! نعم من أنتم؟، حين يتعلق الأمر بالاصطلاحات الفقهية! وهل يعتد بفهمكم حتى تروه حجة! ليس في «تواصل»، صاحب الرؤية، مجتهد واحد ولا نصيفه، وهذا ما نخشاه على شباب المسلمين؛ اتباع أهواء السياسيين باعتبارها «فريضة ملزمة…» فقد غشوا أتباعهم بتقديم فهمهم أساسا لقولهم في أمر الشورى، وفعل قيادة «تواصل» يناقض قولها بإلزامية الشورى؛ فقد صوت أصحاب شورى «تواصل» مرتين لمصلحة اصطفاف الحزب خلف السيد أحمد ولد داداه، إلا أن قيادة الحزب عزمت، ولا ندري على ماذا توكلت، وقادت حملة السيد صالح ولد حننه، خلافا للشورى الملزمة!!!»
وأضاف متحدثا عن جانب الإصلاح في رؤية حزب التجمع «كذبت فتنة الربيع هذه الدعوى، فقد كان «تواصل» متحالفا مع النظام الديمقراطي في بلادنا، ويحمل شعار «المعارضة الناصحة»، وتلك سبيل الإصلاح حقا، حتى إذا انطلقت شرارة الفتنة انغمس فيها «تواصل» داعيا إلى الثورة، ورحيل النظام حليفه، وحمل شعار «المعارضة الناطحة» التي لا تقبل حوارا، وإنما تفرض رحيل النظام عبر المظاهرات المليونية، والصدور العارية، وقوافل الشهداء… لم يكن هذا الانقلاب وليد إجراءات اتخذها النظام، أو تغيير في سياسته، أو تحالفه مع «تواصل» وشيخه، وإنما الرغبة في الوثوب على السلطة وركوب الموجة حتى إذا انكسرت انقلب «تواصل» على حلفائه في المعارضة… فهل هذه صفات المتقين».
وضمن الردود الكثيرة التي ووجه بها هجوم الدكتور الكنتي على الإسلاميين، كتب الدكتور محمد الأمين ولد سيد المختار مخاطبا الكنتي «حسنا فعلتم، سيادة الدكتور، برجوعكم لموقع «تواصل» والاطلاع على وثائق هذا الحزب ونصوصه، وأعتقد أنكم بحاجة إلى قراءة أكثر وأعمق لهذه الوثائق حتى تكون ملحوظاتكم أو تحاملكم على الأصح، جديرا باهتمام القارئ.»
وقال: «هل حديثكم عن حزب «تواصل» أو عن الإخوان؟، القارئ لما كتبتم بقي حائرا تصرحون أنكم اطلعتم على رؤية «تواصل» ولاحظتم عدم ورود إشارة أو ذكر لعلاقة مع الإخوان ومع ذلك كل حديثكم عن الإخوان، وهو انحراف منهجي لا يقبل من أمثالكم وهو يعكس عجزا عن التخلص من التصورات المسبقة والأحكام الجاهزة.»
وتابع الدكتور سيد المختار رده قائلا: «تصرحون في البداية، بأن خلافكم مع الإخوان ليس سياسيا ولا ايديولوجيا وغنما بسبب «تأويلهم السياسي للدين أو تدينهم السياسي»، فما تسميه «التأويل السياسي للدين» و«التدين السياسي» لم تبينه للقارئ ولم تحدد موقفك من علاقة السياسي بالديني، والغريب أنك تتهم القوم بالعلمانية وتبدو منزعجا من ربطهم السياسة بالدين وفي الأمر مفارقة، فلم تكن صريحا في هذه النقطة ولا مقنعا، فالجميع يعرفون موقفك من هذه الجهة وخصومتك السياسية لها معلومة بحكم سابقتكم الفكرية (اللجان الثورية) ولاحقتكم الوظيفية المتلازمة مع حمل راية منابذة القوم وتسفيه أفكارهم».
وأضاف «للعلم حزب «تواصل» وبشهادة المراقب المستقل هو أكثر الأحزاب تمثيلا لمختلف مكونات الشعب وجهاته وأعراقه وفئاته، عموما تشكرون على محاولتكم هذه المرة الرجوع إلى أدبيات الحزب ووثائقه ونصوصه لكن تحتاجون أكثر إلى القراءة الموضوعية والمتأنية لهذه الوثائق، إن أردتم ملحوظات يُركن إليها، وإلا تكن مناكفات سياسية من خصم سياسي لا تقدم ولا تؤخر».
القدس العربي