فيما تشهد التحقيقات القضائية الخاصة بملف «بوعماتو وآخرين» فتورا وتباطؤا ملاحظا، شددت النقابات الموريتانية الكبرى احتجاجاتها في بيان مشترك وزعته أمس على استهداف قادتها من طرف الحكومة.
ووجه عبد الله النهاه الأمين العام للكونفدرالية العامة لعمال موريتانيا في هذا الصدد رسالة للأمين العام للأمم المتحدة اشتكى فيها من استهداف الحكومة الموريتانية للنقابات العمالية من دون سبب.
ومن المرجح أن تكون هذه الشكوى بين موضوعات ناقشها أمس الأول في نيويورك الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز مع الأمين العام للمنظمة الدولية انطونيو غوتيريس.
وخاطب ولد النهاه في شكواه الأمين العام للأمم المتحدة قائلا: «نطلعكم وأنتم تبرمجون لقاء مع الرئيس الموريتاني على هامش الدورة الثانية والسبعين للأمم المتحدة، على الانتهاكات الصارخة التي توجهها الحكومة الموريتانية للنقابات، خارقة بذلك، ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق ومعاهدات منظمة العمل الدولية».
وأضاف: «خلال الأشهر الأخيرة انتهكت الحقوق النقابية عبر إجراءات عدة قامت بها الحكومة بينها، تحقيق شرطة الجرائم الاقتصادية مع الأمين العام للكونفدرالية العامة لعمال موريتانيا ووضعه تحت الرقابة القضائية لأسباب مختلقة، ومن بين هذه الإجراءات، هتك حرمة مقر الكونفدرالية من طرف الشرطة وإغلاق مقر الكونفدرالية بحجة عدم سداد مالك البناية لضريبة السكن، ومن بين هذه الانتهاكات التباطؤ الشديد في تطبيق الحكومة لتشريعات العمل ونظم الضمان الاجتماعي».
«إن الأمم المتحدة، تضيف الرسالة، مطالبة أمام هذا الوضع بالتدخل العاجل لحمل الحكومة الموريتانية على الوفاء بالتزاماتها طبقا للقانون الدولي».
وضمن الحراك المناهض للتحقيقات القضائية، أعلنت ست من أبرز النقابات الموريتانية في بيان مشترك أمس «رفضها لتدهور الحريات العامة وللمس بالحقوق المادية والمعنوية للأشخاص، وتضامنها التام مع القادة النقابيين الموضوعين تحت رقابة القضاء».
ودعت النقابات «الحكومة الموريتانية إلى إنهاء الإجراءات القضائية المتخذة ضد النقابيين المشمولين بملف «بوعماتو وآخرين»، وإعادة أوراقهم المدنية المحجوزة، مع التعجيل بإكمال الإجراءات القضائية حتى تثبت براءة النقابيين المستهدفين من دون وجه حق».
هذا ونظم عدد من النقابيين والإعلاميين أمس وقفة احتجاج أمام إدارة الأمن تضامنا مع البرلمانيين والصحافيين والنقابيين الموضوعين تحت رقابة القضاء ضمن «ملف بوعماتو وآخرين»، وهم أحمد ولد الشيخ المدير الناشر لصحيفة «القلم»، وموسى صمبا سي مدير صحيفة «لكوتيديان دنواكشوت»، والشيخة المعلومة بنت الميداح، والنقابيان الساموري ولد بي وعبد الله ولد النهاه.
وطالب المحتجون «بإنهاء الإجراءات القضائية المتخذة ضد الأشخاص المتهمين بتلقي رشاوى من رجل الأعمال المعارض محمد ولد بوعماتو».
وضمن هذا الملف المعقد، أعلنت هيئة الدفاع عن السناتور محمد ولد غدة المعتقل للشهر الثالث ضمن ملف الرشاوى في بيان وزعته أمس هم «إنها تقدمت بطلب للقضاء لإنهاء إجراءات المتابعة المتخذة ضد الشيوخ المشمولين بملف الرشاوى طبقا للمادة 50 من الدستور».
وأكد المحامون في بيانهم «أن جميع الإجراءات التي يتضمنها الملف تؤكد أنه لا تفسير للمتابعات القضائية ضد السيناتور بوعماتو، سوى الانتقام السياسي من جميع من عارض التعديلات الدستورية التي مررتها السلطة التنفيذية في الاستفتاء الماضي».
«وتنص الفقرة الأولى من المادة 50 من الدستور بوضوح، يضيف البيان، على منع متابعة أو سجن أو مضايقة أي عضو في البرلمان بسبب آرائه أو تصويته ضمن أدائه لمهامه، وهذا ما يمنح السيناتور ولد غدة حصانة مطلقة لا غبار عليها، وإذا كانت النيابة وهي مجرد أداة لدى السلطة التنفيذية تظن أن بإمكانها الالتفاف على هذا المادة، وإذا كانت غرفة الاتهام فضلت متابعة إجراءاتها، فإن على محكمة الاستئناف أن تعيد للمادة 50 معناها ومضمونها».
وفي هذه الأثناء لوحظ ابتعاد المعارضة الموريتانية عن متابعة هذا الملف بعد بياناتها الأولى التي انتقدت فيها اعتقال السناتور ولد غدة ووضع الشيوخ والنقابيين والصحافيين تحت رقابة القضاء.
ووجه مدونون وكتّاب انتقادات للمعارضة بهذا الخصوص؛ واعتبر الكاتب والقيادي المعارض محمد الأمين ولد الفاضل «أن المعارضة قد تبخرت بمكوناتها الثمانية في لحظة سياسية حاسمة وبالغة الأهمية، واختفى قادتها وجمهورها العريض في أرض الله الواسعة، فتركوا بذلك الشيوخ وحدهم في ساحة المواجهة، تركوهم مكشوفي الظهر لسلطة باطشة قررت أن تنتقم منهم، وأن تذيقهم سوء العذاب بما قدمت أيديهم من «لا» في يوم السابع عشر من مارس/أذار من عام 2017».
«يقول بعض المعارضين في محاولة غير مقنعة لتبرير هذا الاختفاء المثير للاستغراب، يضيف الكاتب، بأن سبب هذا الاختفاء هو أن المعارضة كانت قد أنهكت بسبب أنشطتها المكثفة التي سبقت استفتاء الخامس من آب/ أغسطس، لكن لا أحد يطلب من المعارضة الموريتانية أن تأتي بحشود كبيرة خلال أشهر العطلة، ولكن ذلك لا يعني بأنه من حق المعارضة أن تنسحب بشكل كامل من المشهد في أشهر العطلة، وأن تترك الشيوخ وعددا من النقابيين والصحافيين في ساحة مواجهة مكشوفة مع السلطة، أن تتركهم وحدهم يؤدون الدور التقليدي للمعارضة من دون أن توفر لهم هذه المعارضة أقل أشكال الدعم والمؤازرة».
وقال: «للأسف الشديد لم تقدر المعارضة الموريتانية أهمية اللحظة، ولم تحاول أن تفكر من خارج صندوقها العتيق، فغابت عن الفعل وعن المشهد في لحظة سياسية بالغة الأهمية، متجاهلة بذلك أن تنظيم وقفة واحدة في شهر آب/أغسطس أو في شهر أيلول /سبتمبر من عام 2017 قد يكون أكثر أهمية وأكثر جدوى من تنظيم عدة وقفات في أي وقت آخر».
«من حقنا، يقول الكاتب، أن نبحث عن الأسباب الحقيقية التي جعلت العمل المعارض في موريتانيا غير فعال، ومن حقنا أن نتساءل عن أسباب اختفاء وتبخر المعارضة الموريتانية في لحظة سياسية فارقة، وذلك برغم أن هذه المعارضة تمتلك من المقدرات والمؤهلات الشيء الكثير، فهي تمتلك، احتضانا جماهيريا واسعا، وسيطرة شبه كاملة على مواقع التواصل الاجتماعي، واستقطاب عدد كبير من الشعراء ومن الفنانين، وانخراط عدد لا بأس به من رجال الأعمال في العمل المعارض، ودخول بعض الجاليات الموريتانية في الخارج على الخط، واستعدادها للانخراط في العمل المعارض، ويمكن أن نضيف إلى كل ذلك أن السلطة الحاكمة تعيش اليوم في ارتباك وتخبط، وتمر الآن بأكثر لحظاتها ضعفا، فلِمَ غابت المعارضة في مثل هذا الوقت؟ ولِمَ فشلت المعارضة التقليدية في توظيف هذه المقدرات الهائلة كلها في أفعال نضالية وسياسية فعالة؟».
القدس العربي