بحجة عدم التنسيق مع الحكومة في الزيارة، ولأن الوفد مستضاف من جهات ذات أجندة خاصة، رفض الأمن الموريتاني أمس دخول وفد حقوقي أمريكي ناشط في مجال مكافحة الرق، كان المقرر أن يزور موريتانيا مدة أسبوع.
وألغى الأمن الموريتاني سفر اثني عشر شخصا من ركاب رحلة الخطوط الفرنسية العائدة إلى باريس ليرحل بدلا عنهم الحقوقيون الأمريكيون المرفوضون.
وبينما أكد الناطق باسم الحكومة الموريتانية الوزير محمد الأمين الشيخ «أن زيارة الوفد لم تنسق كالعادة مع الحكومة، أعربت سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في نواكشوط عن «قلقها بعد أن تم رفض دخول 12 ناشطا من قادة الحقوق المدنية الأمريكية إلى موريتانيا»، مؤكدة في بيان وزعته حول الحادثة «إن الولايات المتحدة تشعر بخيبة أمل وقلق إزاء قرار منع دخول هذا الوفد».
وأضافت: «هذا الوفد الخصوصي المكون من مجموعة من قادة حقوق الإنسان، تضيف السفارة في بيان وزعته أمس حول الحادثة، الذي تنظم زيارته من طرف معهد مكافحة الرق “أبولوشن إنستيتوت” الموجود مقره بمدينة شيكاغو الأمريكية ومنظمة “رينبو بوش” للدفاع عن القوق المدنية، كان سيزور موريتانيا في الفترة من 8 إلى 15 أيلول / سبتمبر الحالي لمعرفة المزيد حول الجهود المبذولة للقضاء على الرق ومخلفاته وتعزيز التماسك العرقي في موريتانيا».
وأضاف البيان: «كان من المقرر أن يلتقي هذا الوفد والسفارة الأمريكية بنواكشوط مع المسؤولين وقادة المجتمع المدني الموريتاني، وكان يأمل من خلال اجتماعاته وتفاعلاته الاستفادة من تجربة نجاح موريتانيا في القضاء على الرق وتعزيز تلك النجاحات على الصعيد الدولي».
وتابع البيان: «تعترف السفارة الأمريكية بأن العرق والتماسك الاجتماعي غالبا ما يكونان من القضايا المتجذرة التي يستغرق التغلب عليها وقتا طويلا وجهدا كبيرا، ونحن نحيي الأعمال البطولية التي يقوم بها الموريتانيون الذين يواصلون محاربة آثار الرق والانقسامات العرقية في بلدهم، بالطريقة ذاتها التي نشيد بها بالأبطال الأمريكيين الذين يكافحون من أجل توحيد أمريكا في ضوء المظالم الاجتماعية الأخيرة، ونحن ندرك أنه بإيجاد وجهات نظر جديدة لتحليل هذه المشاكل سنجد حلا».
وأكدت السفارة الأمريكية في موريتانيا «أنها ستواصل دعم وتعزيز التسامح والتماسك الاجتماعي بنظرة لمستقبل أفضل حيث يكون تنوع البلد مصدرا للقوة»، حسب تعبير البيان.
ويضم الوفد الحقوقي على الخصوص كلا من البروفيسور جوناثان وهو نجل بطل الحقوق المدنية الشهير جيسي جاكسون والناطق الرسمي باسم «ﺭﻳﻦ ﺑﻮ ﺑﻮﺵ ﻛﻮﻟﻴﺸﻦ»، وﺩﻳﻔﻴﺪ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺷﻬﻴﺪ من المحكمة العليا (ﺇﻧﺪﻳﺎﻧﺎ)، وﺃﻧﺘﻮﻧﻲ ﻧﻌﻴﻢ ﺳﻴﻤﺒﻜﻴﻨﺰ القيادي في ﻣﻌﻬﺪ ﻣﻜﺎﻓﺤﺔ ﺍﻟﺮﻕ « ﺃﺑﻮﻟﻮﺷﻦ ﺇﻧﺴﺘﻴﺘﻮﺕ»، والدكتورة ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺍﻷﻣﻴﻦ وهي ﺑﺎﺣﺜﺔ ﺇﺳﻼﻣﻴﺔ، وﺳﻤﻴﺚ ﻓوهو ﻨﺎﻥ ﻓﺎﺋﺰ ﺑﺠﺎﺋﺰتي ﻏﺮﺍﻣﻲ ﻭﺃوﺳﻜﺎﺭ، وﻟﻴﻨﺪﺍ ﻟﻮﺭﺍﻧﺲ قيادية في ﻣﻌﻬﺪ ﻣﻜﺎﻓﺤﺔ ﺍﻟﺮﻕ، وﺟﻴﻤﺲ ﻏﻮﻣﻴﺰ ﻣﺪﻳﺮ ﺍﻟﺸﺆﻭﻥ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ في «ﺭﻳﻦ ﺑﻮ ﺑﻮﺵ ﻛﻮﻟﻴﺸن».
واحتجت منظمة «نجدة العبيد» الجهة المستضيفة للوفد الأمريكي، هي الأخرى، على قرار ترحيل البعثة الحقوقية الأمريكية، مؤكدة في بيان حول الحادثة «أن المعهد الأمريكي لمكافحة الرق سبق له أن استضاف وفدا من نجدة العبيد عام 2015 وأنها استدعت مسؤولي المعهد لزيارة موريتانيا، في إطار رد الجميل».
وأوضحت: «إن الهدف من زيارة الوفد لموريتانيا هو تجميع تجارب الأمم الأخرى والمقاربات الأخرى المتعلقة بمكافحة الرق، بما في ذلك التجربة الأمريكية الغنية».
وأضافت: «إن قرار ترحيل البعثة الحقوقية الأمريكية لا يشرف دولة موريتانيا، كما أنه لا يحقق الأهداف التي تذرعت بها السلطات في عملية تسفيره».
يذكر أن قضية الرق تثير جدلا واسعا في موريتانيا فبينما تؤكد منظمات محاربة العبودية أن ممارسات الرق لا تزال قائمة في البلاد برغم حظر الرق بالقانون الصادر سنة 1981، تقول أوساط الحكومة ونشطاء منظمات حقوقية أخرى إن الرق لم يعد يمارس فعليا، وإنما توجد آثاره ومخلفاته كالفقر والأمية والتخلف الاقتصادي والاجتماعي.
وأسست الحكومة الموريتانية العام الماضي، وكالة التضامن الوطنية لمحاربة آثار الاسترقاق، كما استحدثت محكمة خاصة تعنى بجرائم الاسترقاق، ضمن برامج حكومية موجهة لاستئصال الظاهرة.
صادقت الحكومة الموريتانية في آذار/مارس 2015 على خريطة طريق لمحاربة الاسترقاق والقضاء على مخلفاته في أفق عام 2016 وذلك بالتنسيق مع الأمم المتحدة، واشتملت هذه الخريطة على 29 توصية تغطي الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية، والحقوقية، كما تشمل الجوانب التعليمية والمعرفية
وفي المجال الاقتصادي والاجتماعي أوصت الخريطة، على تركيز الاستثمار في المناطق التي يعاني سكانها من الفقر وتدني مستوى الدخل بسبب تأثرهم تاريخيا بالاسترقاق، وذلك من خلال توفير البنى التحتية والخدمية، وتمويل المشروعات المدرة للدخل وخلق نشاطات اقتصادية في محيط الفقراء من أبناء هذه الشريحة. وفي المجال القانوني والحقوقي أوصت الخريطة بمراجعة النصوص القانونية المتعلقة بتجريم الاستعباد وتضمينها تغريم من تثبت عليه ممارسته وإلزامه بالتعويض للضحية، فضلا عن تكوين القضاة في مجال التعاطي مع قضايا الرق، وتقديم المؤازرة القانونية للمستعبدين من خلال توكيل محامين للدفاع عنهم.
وفي مجال التعليم نصت على توفير التعليم وإلزاميته في المناطق التي يوجد فيها الأرقاء السابقون والتي تعرف محليا باسم «آدوابه» وتوفير الحضانات المدرسية فيها لتتولى إعاشة الأطفال وتحمل نفقات تعليمهم، إضافة إلى تقديم مساعدات مالية لآباء الأطفال مقابل السماح لأبنائهم بالالتحاق بمقاعد الدراسة
القدس العربي