لا يملك المراقب المتابع للشأن السياسي الموريتاني هذه الأيام إلا أن يحتار ويحتار، فأنصار النظام لا يفتؤون يؤكدون بأن العمل جار لوضع موريتانيا على سكتها الصحيحة في المجالات جميعها، وأن ما يسميه الموالون «الجمهورية الثالثة»، يجري تأسيسها بمهارة وحزم؛ لكن المراقب سيصاب بالدوار إن هو ناقش المعارضين واستمع لآرائهم المجمعة على أن موريتانيا تعيش حاليا أسوأ أيامها وأنها على بوابة الانفجار بل العودة للانقلابات.
وفي ظل هذا التجاذب، تتجه الأنظار اليوم الثلاثاء إلى قصر العدالة لمتابعة استكمال استجوابات النيابة للمعارضين المشمولين بملف «رشاوى الفساد العابرة للحدود» وتهيئتها لمحاكمتهم، وهم ثلاثة وعشرون شخصية سياسية وإعلامية ونقابية متهمون بتلقي رشاوى من رجل الأعمال المعارض محمد ولد بوعماتو المقيم بالمغرب الذي صدرت بحقه وحق مدير أشغاله مذكرات توقيف دولية.
وكان البيان السياسي الذي نشره حزب اتحاد قوى التقدم وهو من أبرز أحزاب المعارضة الموريتانية تحت عنوان «لقد طفح الكيل» حاملا رؤية المعارضة للأوضاع التي تعيشها موريتانيا في ظل حكم الرئيس محمد ولد عبد العزيز.
فقد شدد اتحاد قوى التقدم، التأكيد بأنه وهو يرى «خطورة المرحلة، يدين بشدة ويستنكر اعتقال وسجن الشيوخ والنقابيين والصحافيين والضباط ورجال الأعمال لأسباب ومبررات واهية ويطالب بإطلاق سراحهم فورا ومن دون تأخير».
ولفت الحزب في بيانه «نظر الرأي العام الوطني والدولي إلى خطورة المرحلة التي تعيشها موريتانيا حاليا وإلى ضرورة العمل من أجل إنقاذها»، داعيا «الوطنيين الشرفاء للوقوف سدا منيعا أمام التوجه الخطير الذي تجر إليه البلاد والذي لن يسلم منه الجار ولا المجرور».
وأضاف الحزب «.. يوما بعد آخر تظهر الطبيعة الحقيقية لنظام محمد بن عبد العزيز، ويتضح أنه نظام انقلابي استبدادي معاد لمصالح الشعب، نظام يستخدم الدولة وهيبتها ومواردها في تأمين المصالح الخاصة وفي تصفية الحسابات مع الخصوم وفي الجاسوسية البغيضة والتعدي على خصوصيات المواطنين واستخدامها علنا وبصورة بشعة لا تمت للقوانين ولا للأخلاق بأية صلة، ما جعل «موريتانيا الجديدة» تمر بأزمة خطيرة على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والعلمية والأمنية جميعها»، حسب تعبير الحزب.
«لقد تلقى النظام العزيزي، يضيف حزب اتحاد قوى التقدم، صفعات قوية من لدن الشعب الموريتاني، تمثلت على الخصوص في رفض مجلس الشيوخ المدوي للتعديلات اللادستورية وامتناع المواطنين الصارم عن التصويت في المهزلة الاستفتائية يوم 0582017، برغم تسخير موارد الدولة كافة وتدخل رؤسائها ووزرائها ومديريها وحكامها وولاتها، ما يدل على أن الشعب الموريتاني بات واعيا للألاعيب العزيزية ومراميها، من التستر على الفساد العابر للحدود والممتلكات الكبيرة في الداخل والخارج، إلى صفقات التراضي المريبة بالمليارات بل بعشرات المليارات دوسا على القوانين واستسلاما للنزوات الانتفاعية التي لا تشبع وارتكاب الفظائع والفضائح التي لا تنكر».
وتابع «إذا تجاوزنا (ولن نفعل) أكرا وتسجيلاتها وصناديق كمبا با وأثقالها، فهل يمكننا أن نتغاضى عن حادثة أطويلة المزعومة التي (تعرض لها الرئيس) في 13102012 التي أعلن الرقيب ذو الضمير الحي، أحمد ولد محمد أمبارك، وكان شاهد عيان عليها، أنها مجرد اختلاق سخر له كبار الضباط وأجهزة الدولة في إخراج مسرحي رديء لم يقنع حتى شخوص المسرحية أنفسهم، وهو مجرد حلقة من حلقات التزوير التي دأب عليها نظامنا مع الأسف».
«وبدل أن يستخلص صاحبنا، يضيف الحزب، العبر من هذه الدروس البليغة ويعمل على حل مشاكل الشعب الخطيرة من غلاء الأسعار وتدني الأجور والعطش والبطالة والظلم والجور والمحسوبية وبدل أن يعمل على الحصول على توافق وطني شامل، فإنه يهرب إلي الأمام ويؤلف مسرحية أخرى لإلهاء الرأي العام عن تلك المشاكل والجرائم والفضائح فيعمد إلى كيل الاتهامات الجزافية الباطلة للشيوخ المحترمين ومن بينهم المناضل محمد بن أحمد غدة وللنقابيين النزهاء والصحافيين الأحرار والضباط الوطنيين ورجال الأعمال الرافضين، فيقيم لهؤلاء محاكمات صورية تخرق القوانين جميعها في شكلها ومضمونها».
وإذا كانت هذه هي رؤية المعارضة فإن لكتاب الموالاة ما يقولونه حولها حيث يرى الكاتب محمد ولد سيدي عبد الله «أنها اليوم في وضع لا تحسد عليه، لارتماء أبرز قادتها في أحضان الرّغبة في السّلطة، على حساب أمن هذا البلد»، حسب قوله.
وأضاف: «إن المُعارضة تعيش اليوم موتا سريريا، بفعل توزّعها على قلب مئة رجل، والمعارضة اليوم تُطبّل للفشل، والمعارضة غارقةٌ في أحلام المُنقذ الصّوري، هي فرصة لمحو آثارها، واللّعب ببقايا خطاباتها، فالسّياسة الحكيمة هي ترَصّدُ لحظاتِ ضعف (العدوّ) واستغلال ذلك».
«أما الأغلبية، يقول الكاتب، فهي جذلى بنصرٍ حققه الرئيس، تنعم في هدوء أراد له الرئيس أن يكون، بخطابٍ صادقٍ يبعث الإحساس بالوطن والشّعور بالمسؤولية، وبرغم ذلك نبقى بحاجة لاستغلال هذا الوضع بطريقة نُنكر فيها الذّات، ونحرق فيها الأحاسيس الكاذبة ببطولات يجب أن نرسمها واقعا، ونُريح فيها أنفسنا من صراع النّفس وتجييش الذّباب، لأننا نُدافع عن مشروع واحد، ومبدأ واحد، وهمٍ واحدٍ، وأي تنَصل من أحد هذه المواثيق، يعني فسخ العهدة بكاملها، والانفصام مع العرى والثوابت». وخارج هذه الاصطفافات، فضل الكاتب الدكتور محمد محمود ولد علي توجيه نصائح لطرفي المشهد حيث «حذر النظام من الوقوع في مخططات الأعداء والمخادعين من السياسيين الذين يعتبرون السياسة لعبة خبث وخداع».
ونصح الكاتب للرئيس بالعمل من أجل «توفير الخدمات وتسهيل وصول المواطنين لها وحل مشاكلهم الملحة بصفة جدية، والاعتماد في التعيينات وإسناد المسؤوليات في تسيير المصالح العمومية على أصحاب الكفاية والصدق والشعبية غير المزورة».
ونصح الكاتب المعارضة «باستخلاص العبر والابتعاد عن الخطابات والدعايات العنصرية والتشاؤمية والمضللة، وتغيير النهج السياسي من المقاطعة السلبية إلى المشاركة الفاعلة والإيجابية في الشأن السياسي العام للمشاركة في البناء».
هكذا تبدو الأوضاع في موريتانيا اليوم: موالاة تبشر، ومعارضة تحذر، وكتاب غير مصنفين يوزعون النصائح والمواعظ هنا وهناك.
القدس العربي