أحالت شرطة الجرائم الاقتصادية والمالية أمس ملف السناتور محمد ولد غدة للعدالة تمهيدا لمحاكمته، كما استدعت الصحافيين والنقابيين والشيوخ الذين شملتهم تحقيقات هذا الملف، لإمضاء محاضر استجواباتهم وأمرتهم بالمثول أمام النيابة.
وبالنظر لهذه التطورات، فإن الأمور تتجه نحو محاكمة قد تشمل عددا من معارضي الداخل وكبار معارضي نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز الموجودين في الخارج ومن أبرزهم محمد ولد بوعماتو رجل الأعمال المقيم في مراكش، ومصطفى ولد الإمام الشافعي مستشار الرئيس البوركينابي السابق إبليز كامباووري شبه المقيم في المغرب، وأحمد بابا ولد اعزيزي رئيس اتحاد أرباب العمل الموريتانيين.
ولم يُفوّت نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز المكالمات التي سربت مؤخرا من هاتف السيناتور محمد ولد غدة التي تحدث فيها مرات عدة مع رجل الأعمال المعارض محمد ولد بوعماتو حول تمويلات لنشاطات المعارضة.
فقد وجد النظام في هذه التمويلات القادمة من وراء الحدود المخصصة لنشاطات بينها «تظاهرات مثيرة للشغب وعدم الاستقرار»، حسب ما تراه الحكومة، حججًا قوية لبناء ملف قضائي لتوريط معارضي الخارج ومن يسايرهم من نقابيين وصحافيين وسياسيين وشيوخ.
وقد دل المسار الذي اتخذته التحقيقات على هذا التوجه، حيث بدأت بالسناتور محمد ولد غدة الذي شكلت مكالماته رأس الخيط في هذه القضية الذي اعتقل في العاشر منة آب/أغسطس المنصرم، لتشمل بعد ذلك كلا من عبد الله ولد محمد الأمين العام للنقابة العامة لعمال موريتانيا، والساموري ولد بي الأمين العام للنقابة الحرة لعمال موريتانيا وموسى صمب سي المدير الناشر لصحيفة «لوكوتيديين»، وجوب ممدو رئيس تحرير موقع «كريدم» الناطق بالفرنسية، وأحمد ولد الشيخ المدير الناشر لصحيفة «القلم»، وجدنا ولد ديده المدير الناشر لصحيفة «موريتانيا اليوم».
واتسعت التحقيقات في هذا الملف كذلك لتشمل شيوخ نواكشوط وتيشيت ومكطع لحجار الأعضاء في مجلس الشيوخ المنحل.
وانتقد محمد سالم ولد عابدين الأمين العام للمرصد الموريتاني لحقوق الإنسان الاستجوابات التي قامت بها الشرطة ووصفها بأنها «غير قانونية»، معلنا في تصريحات له أمس «عن رفضه أشكال المساس بالحريات العامة في البلد جميعها بخاصة حريات الأشخاص».
وأكد ولد عابدين «أن الاستجوابات لم تسلك الطريق القانوني المحدد في المساطر القانونية للتحقيق ولم تستجب للشروط القانونية، مشيرا إلى أنها «أجريت في بعض الأحيان، خارج أوقات الدوام وفي جو من التشنج والخروج على احترام المستجوبين»، على حد تعبيره.
وتوقعت مجلة «جون أفريك» المتخصصة في الشؤون الأفريقية نقلا عن مصادر ديبلوماسية في نواكشوط صدور مذكرات توقيف دولية ضد رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو، والسياسي المعارض مصطفى الإمام الشافعي.
ونقلت المجلة عن مصدر في رئاسة الجمهورية قوله: «إن الرئيس ولد عبد العزيز يتوفر على أدلة قوية للغاية تؤكد أن المعارضين بوعماتو والشافعي وولد اعزيزي، يسعون لإثارة الفوضى داخل البلد، وهو ما يكفي لإدانة المجموعة».
وبينما ترى أوساط الموالاة أن ملف السيناتور السابق ولد غدة ملف طبيعي لا غبار عليه وأن القضاء الذي يتولى معالجة الملف مستقل كل الاستقلال، ترى أوساط المعارضة الموريتانية «أن محاكمة هذه المجموعة محاكمة سياسية بحت هدفها إسكات المعارضين وتخويف الصحافيين والنقابيين والشيوخ السابقين».
وفي تحليل تحت عنوان «ملف» غدة- بوعماتو.. الأهداف المخفية»، أكد الإعلامي الإسلامي المعارض أحمدو ولد الوديعة «أن نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز يحاول من خلال النفخ في قضية الاعتقالات والاستجوابات ضمن ملف «غدة- بوعماتو « تحقيق عدة أهداف حري بنا فهمها حتى لا نكون أو يكون بعضنا عن بساطة أو ضعف تقدير، أدوات في تحقيق أجندة نظام نرفع شعار معارضته ونجهر بالسعي لتخليص موريتانيا منه بالسبل السلمية». «أولا، يضيف الصحافي الوديعة، يريد النظام أن ننسى الاعتقالات والاستجوابات، الرأي العام في ملحمة الخامس من أغسطس/آب 2017 يوم صفع الموريتانيون، مدنيون وعسكريون، محاولة الانقلاب على الدستور من خلال إعراض كامل عن المهزلة؛ ثانيا، يريد النظام تكريس صورة في الرأي العام مفادها أن كل هؤلاء الذين يقفون في وجه الطغيان والفساد إنما يفعلون ذلك طمعا في «فوكال» يأتي من ولد غدة أو تحويلة تأتي من بوعماتو».
وقال: «إنها محاولة رخيصة ومكشوفة لطمر عقود من النضال المدني والسلمي السياسي والإعلامي والنقابي والحقوقي الذي ينخرط فيه رجال ونساء منذ عقود قبل أن يكون أي من هؤلاء المتصدرين في المشهد اليوم بمن فيهم الجنرال محمد ولد عبد العزيز وزماره شيئا مذكورا وتصويره كما لو أنه مجرد تهافت على مائدة رجل أعمال مغاضب». وزاد: «يسعى النظام من خلال التركيز على الرجلين غدة بوعماتو، إلى إيصال رسالة لأكثر من طرف بأن القضية ليست قضية وطن إنما قضية نزاع عائلي وتنافس أبناء عمومة والحقيقة أن الأمر أبعد ما يكون من ذلك، فالسيناتور محمد ولد غدة الذي يدفع اليوم الثمن الأكبر للمعركة ضد الاستبداد، إنما استحق ذلك نتيجة مواقف وطنية مشرفة وقف فيها بوطنية وشجاعة في مواجهة النظام ورأسه الجنرال عزيز وكان بإمكانه أن لا يفعل، والأكيد أنه دفع ويدفع ثمنا مضاعفا».
القدس العربي