انواكشوط " موريتانيا الحدث " :
- استمر أطراف المشهد السياسي الموريتاني أمس في محاولات طيهم المتثاقل لصفحة الاستفتاء الدستوري الذي شغلهم عدة أشهر بما اشتملت عليه حملاته من احتراب سياسي واتهامات وهجاء وطرب ونواح.
وأظهرت النتائج المؤقتة لاستفتاء الخامس آب/أغسطس حول التعديلات الدستورية التي أعلنتها اللجنة المستقلة للانتخابات ليلة الاثنين والتي ينتظر أن يؤكدها (احتمال قوي)، أو يرفضها المجلس الدستوري الموريتاني اليوم، نجاحا كاسحا لخيار «نعم» وتأثير محدود لخيار «لا» وأحاديث واسعة عن التزوير.
ويشكل ما حدث في مجمله فوزا كبيرا للرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز لكنه فوز لا يعترف به معارضوه.
وأعلنت اللجنة المستقلة للانتخابات في بيان قرأه رئيسها باللغة الفرنسية واحتجت عليه جمعية الضاد الموريتانية، « أن نسبة المشاركة بلغت 53.75%، فيما يخص الاستفتاء حول مشروع القانون الدستوري الاستفتائي المتضمن مراجعة المادة 8 من دستور 20 يوليو/ تموز 1991؛ حيث حصل خيار «نعم» على 85.61% من الأصوات في حين حصل خيار «لا» على 4.40% من الأصوات».
وفيما يخص مشروع القانون الدستوري الاستفتائي المتضمن مراجعة بعض أحكام دستور 20 يوليو 1991، أعلنت اللجنة «أن نسبة المشاركة المتعلقة به بلغت 53.72% وأن خيار «نعم» حصل على 85.67% من الأصوات بينما حصل خيار «لا» على 10.02% من الأصوات».
واحتفلت الأغلبية الرئاسية بفوز خيار «نعم» على نطاق واسع؛ حيث نظمت مسيرات جابت شوارع العاصمة رفع خلالها العلم الجديد بحافتيه الحمراوين الجديدتين، كما رفعت صور الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وتابعت القنوات الفضائية المؤيدة للرئيس بثها لأناشيد وحفلات الانتصار.
ودعي 1.4 مليون ناخب موريتاني السبت الماضي إلى صناديق الاقتراع في استفتاء شعبي حول تعديلات دستورية، دعت المعارضة المتشددة إلى مقاطعته لمخالفته ترتيبات الدستور حسب رأيها.
وتعلق الاستفتاء بمراجعة عدة مواد في الدستور تتضمن إلغاء غرفة مجلس الشيوخ واستبدالها بمجالس جهوية منتخبة، ودمج مؤسسات المجلس الإسلامي الأعلى ووسيط الجمهورية في المجلس الأعلى للفتوى والمظالم، وتخليد مقاومة الاستعمار بإضافة شريطين أحمرين للعلم الوطني.
وتجمعت ثمانية تشكيلات سياسية موريتانية معارضة تضم عددا من الأحزاب والنقابات والشخصيات المرجعية والحقوقية في تنسيقية معارضة للاستفتاء. ونظمت التنسيقية مهرجانات لإقناع السكان برفض الاستفتاء، ونظمت مسيرات شعبية قمعت الشرطة غير المرخص منها. وانتخب الجنرال السابق محمد ولد عبد العزيز عام 2009 رئيسا للبلاد بعد أن قلب سنة قبل ذلك نظام سلفه المنتخب الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله، وأعيد انتخاب ولد العزيز عام 2014 لولاية رئاسية من خمس سنوات تنتهي في يونيو / حزيران 2019.
ولم يخف الرئيس ولد عبد العزيز نيته إجراء تعديلات أخرى في الدستور الموريتاني؛ حيث أكد في تصريحات أثناء الحملة الممهدة للاستفتاء «أن تعديلات أخرى للدستور يمكن إجراؤها في ظرف سنتين أو عشر سنوات»، وهو ما تفسره المعارضة بأنه يدل على نية الرئيس ولد عبد العزيز الترشح لولايات رئاسية أخرى خارج ما يمنحه له الدستور الحالي.
وانهالت عبر دهاليز وأنهر شبكات التواصل الاجتماعي أمس تعليقات المرحبين بنجاح أجندة الأغلبية الرئاسية في الاستفتاء، كما تقاطرت تدوينات المعارضين الساخطين على الاستفتاء ونتائجه.
وثبت مئات المدونين المعارضين العلم الوطني المعدل بصفحاتهم على الفيسبوك، تأكيدا منهم على التمسك به ورفضهم لتغييره، بينما ثبت خصومهم صور العلم الجديد الذي سموه «علم المقاومة».
وفيما تواصل الأغلبية الرئاسية احتفالاتها بالنصر، جددت تنسيقية المعارضة الموريتانية أمس تأكيدها بأن «الاستفتاء كان انقلابا جديدا على الشرعية؛ حيث ضرب عرض الحائط بالنص الدستوري الصريح، الذي يحدد بصورة لا تقبل أي تأويل، الطريقة الحصرية لمراجعة الدستور والقائلة بأنه لا يمكن تقديم أي مشروع مراجعة للاستفتاء إلا إذا صوت عليه ثلثا أعضاء الجمعية الوطنية وثلثا أعضاء مجلس الشيوخ».
وأكدت المعارضة «أن الاستفتاء كان تغليبا لإرادة وأهواء الحكم الفردي ضد المؤسسات الدستورية وإرادة الشعب». وأكدت تنسيقية المعارضة «أن عملية الاقتراع كانت مهزلة حقيقية لما طبعها من ضعف في المشاركة وتلاعب بالمكاتب؛ حيث شهدت عملية التصويت مقاطعة لم يسبق لها مثيل في أنحاء الوطن كافة، سجلها كل المراقبين ووثقتها الصحافة والمدونون»،؛ «ولتعويض عزوف المواطنين شبه التام عن التوجه لصناديق الاقتراع، تقول المعارضة المقاطعة، فقد كثر الحديث عن عمليات تزوير واسعة داخل مكاتب الاقتراع، وهو ما تصدقه قرائن منها استبدال العديد من رؤساء المكاتب «غير المتعاونين» بآخرين مقترحين من داعمي المهزلة، واستبعاد كل المراقبين المحايدين ومصادرة كل أدوات التصوير والتسجيل، مما يدل على أن السلطة لديها ما تخفيه».
واعتبرت المعارضة في بيانها «أن الشعب الموريتاني قد أفشل الاستفتاء المسرحي اللادستوري، كما أسقط الشيوخ قبل ذلك التعديلات العبثية، وذلك من خلال مقاطعته للاقتراع على امتداد التراب الوطني ورفضه للمشاركة في هذه المهزلة، فقد فشل النظام سياسيا وسقطت تعديلاته الدستورية عمليا».
وحيت المعارضة «الشعب الموريتاني على هذا الموقف التاريخي الذي يعبر، حسب رأيها، عن مدى وعيه وتضامنه وحرصه على رفض سياسات النظام التي تقود البلاد الى المجهول وتهدد وحدة الشعب واستقرار الوطن».
وعلق زعيم المعارضة الموريتانية الحسن ولد محمد أمس على نتائج الاستفتاء قائلا: «لم يكن استفتاء الخامس من أغسطس / آب توافقيا ولا مفيدا ولا دستوريا في بدايته، واتسم وسطه بالتبذير والعنف المادي واللفظي، وكانت خاتمته عزوفا من الناخبين وتزويرا من الإدارة واللجنة والوجهاء». وكتب محمد الشيخ ولد سيدي محمد مستشار الرئيس الموريتاني أمس محتفيا بنصر الأغلبية مقالا أثار استغراب المدونين لكونه شبه المعارضين بطلقاء قريش يوم فتح مكة؛ حيث قال: «رست السفينة على الجودي، وجرف طوفان الناخبين «إفك وغيبة وبهتان واستهزاء المستهزئين»، و«العمل غير الصالح» آوى الى جبله، وأصبح «الطلقاء» بين هارب الى الوراء، أو باحث عن ملاذ «مغارة». وزاد: «أشرقت شمس موريتانيا الجديدة، فلا حاخام يسبل كذبا وزورا خمائله، ولا هامان يرهب بالسجون خصومه، ولا فرعون يبني بالوعود الزائفة صروحه، ولا قارون يجمع نكدا فلوله وغلوله؛ موريتانيا الرحيمة تمد يدها اليوم، بيضاء، نقية، لكل من يزرع الإخلاص والصدق، ويبني بنيان العدل والإحسان، ويحب أهل القرءان والفرقان، ويطبق مخرجات الحوار بلا رياء، ويصوت بلا رشوة ولا منة».
وفي تعليق له على نتائج الاستفتاء نصح القيادي المعارض محمد الأمين ولد الفاضل المعارضة الموريتانية بأن «تتمسك في هذه اللحظة الحرجة من تاريخ البلاد بأمرين أساسيين هما رفض الفوضى، وألا تقبل بأي حال من الأحوال أن يجرها النظام القائم إلى فوضى يريدها ويسعى إليها من أجل البقاء في الحكم وتشريع الدكتاتورية، أما الأمر الثاني فهو ألا تقبل بنتائج الاستفتاء اللادستوري، وأن ترفض وبالقوة نفسها الاستسلام للأمر الواقع الذي تريد السلطة الحاكمة أن تفرضه».
«وفي اعتقادي، يضيف الفاضل، بأن رفع «العلم المشبوه» قد يجمع بين الأمرين، ويمكن للمعارضة في هذه الفترة أن تطلق مشروع رفع مائة ألف علم خلال شهر، وأن تقوم بحملة كبرى لتوزيع العلم ولإقناع المواطنين برفع العلم فوق منازلهم ومحال عملهم، وعلى سياراتهم»، فمثل هذه الحملة في حالة إطلاقها ستبين ميدانيا حجم التزوير في النتائج المعلنة، وستعبر بشكل حضاري وسلمي عن مستوى رفض الشعب الموريتاني لنتائج الاستفتاء اللادستوري»، حسب تعبير الفاضل.
وإذا كانت التعديلات الدستورية الجديدة التي ستدخل حيز التطبيق الآن، قد منحت الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، ما كان يسعى إليه وهو إطلاق سلطاته بإزالة غرفة الشيوخ التي لم يكن باستطاعته حلها، فإنها ستزيد الأزمة السياسية الموريتانية حدة خاصة إذا قادت هذه التعديلات نحو تغيير آخر للدستور يفتح أمام الرئيس ترشحا لمدد رئاسية إضافية. ويجمع مراقبو الساحة السياسية الموريتانية على أن نتائج الاستفتاء ستدفع بالمشهد السياسي الموريتاني نحو المزيد من التأزم؛ حيث سيكون هناك في موريتانيا علمان ونشيدان وطنيان وبرلمانان، وجبهتان تتحاربان في الداخل والخارج.
القدس العربي