قرية التراث في وادان: استثمار ثقافي بين رهانات الحفظ ومخاطر الاندثار

23. ديسمبر 2025 - 8:03

وادان – في قلب الصحراء الموريتانية، وعلى تخوم تاريخٍ عريقٍ صنعته القوافل والعلم والمخطوطات، شُيِّدت قرية التراث في وادان لتشكّل إنجازًا ثقافيًا لافتًا، واستثمارًا رمزيًا في الذاكرة الوطنية. مشروعٌ حديث النشأة، غير أنّه استند في روحه ومضمونه إلى قرونٍ من الإشعاع العلمي والحضاري الذي عُرفت به المدينة.
القرية، التي أُنجزت بكلفة مالية معتبرة، جاءت لتكون فضاءً جامعًا لمكوّنات التراث المادي واللامادي، حيث تضمّنت أجنحة ومعارض توثّق تاريخ الأمة عبر مراحلها المختلفة. فقد احتوت على أدوات وآلات تقليدية تعكس أنماط العيش القديمة، إلى جانب مخطوطات وكتب تؤرّخ لمسارات التطور، ونشر العلم، والحركة العلمية، والفتوحات، كما تستحضر أسماء وقامات علمية كان لها بالغ الأثر في تشكيل الوعي الحضاري للمنطقة.
ولم يقتصر دور القرية على العرض المتحفي فحسب، بل سعت إلى تقديم تجربة ثقافية متكاملة، من خلال إبراز الحِرف التقليدية، وتجسيد أنماط السكن والمعيشة، وخلق فضاءات تربوية موجّهة للأجيال الناشئة، بما يعزّز الارتباط بالهوية، ويعيد الاعتبار للتراث بوصفه رافعة للتنمية الثقافية والسياحية.
غير أنّ هذا المنجز، على أهميته وقيمته، يواجه تحديًا جوهريًا يتمثّل في استدامته. فالتجارب المشابهة أثبتت أنّ المشاريع الثقافية الكبرى، إذا لم تُدعَم بخطط صيانة دورية، وبرامج واضحة لمكافحة التصحر، والتعرية الريحية، وزحف الرمال، فإنها تكون عرضة للتدهور السريع. وفي بيئة صحراوية قاسية، يصبح الإهمال عاملًا حاسمًا في تحويل الاستثمار الثقافي إلى عبء مالي، أو ما يشبه عمليًا ردم الموارد في رمال الصحراء.
ويؤكد مختصون في الشأن الثقافي أنّ حماية قرية التراث في وادان لا تتطلّب فقط ميزانيات للصيانة، بل رؤية متكاملة تشمل التسيير المحترف، وتنشيط السياحة الثقافية، وإشراك المجتمع المحلي في الحماية والاستفادة، إضافة إلى اعتماد مقاربات بيئية تحدّ من آثار العوامل الطبيعية.
إن قرية التراث في وادان تمثّل اليوم فرصة حقيقية لإعادة الاعتبار للمدن التاريخية، وربط الماضي بالحاضر في مشروع تنموي ذي بعد ثقافي. غير أنّ نجاحها لا يُقاس بلحظة الافتتاح، بل بقدرتها على الصمود والاستمرار. فإمّا أن تتحوّل إلى منارة ثقافية حية تحفظ الذاكرة وتُنمّي الاقتصاد المحلي، أو تترك لمصير الاندثار، فتفقد قيمتها، ويضيع معها جهدٌ ومالٌ كان يمكن أن يصنعا فارقًا دائمًا.

إعلانات