
في خطوة تُقرأ على أنها محاولة لإعادة صياغة دور التأمين داخل المنظومة المالية الموريتانية، أعلن البنك المركزي الموريتاني، يوم الثلاثاء في نواكشوط، عن إطلاق خطة وطنية لإصلاح وتحديث قطاع التأمين تمتد من 2026 إلى 2030، بالشراكة مع الرابطة المهنية للمؤمِّنين الموريتانيين.
ويأتي هذا الإعلان في أعقاب ملتقى تشاوري واسع خُصّص لتشخيص واقع القطاع، وهو قطاع ظلّ لسنوات يعاني من ضعف التنافسية وتراجع الثقة ومستوى خدمات لا يرقى إلى تطلعات السوق.
إصلاح بنَفَس مؤسسي
الخارطة الجديدة—كما قدّمها البنك المركزي—لا تقتصر على تحديث إجراءات تقنية أو تنظيمية، بل تستهدف إعادة بناء العلاقة بين شركات التأمين والمستهلكين على أسس الشفافية والانضباط والملاءمة.
ويُلاحظ أن التركيز على الحوكمة والرقابة يعكس إدراكًا رسميًا أن ضعف الإشراف كان أحد أبرز معيقات تطور القطاع، فضلًا عن غياب منتجات تأمينية تناسب التحولات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
بروتوكول التزام… نحو شراكة أوسع
توقيع بروتوكول التزام رسمي بين البنك المركزي والرابطة المهنية ليس مجرد إجراء شكلي؛ بل يُعدّ—وفق محللين—إشارة إلى انتقال العلاقة بين الدولة والقطاع إلى مرحلة المسؤولية المشتركة.
وتأسيس لجنة قيادة مشتركة لإعداد تقارير سنوية ومتابعة تنفيذ الخطة يعزز مسارًا جديدًا يعتمد على تقييم دوري وشفاف، وهو أمر لطالما طالب به الفاعلون في السوق.
قراءة في خطاب البنك المركزي
في مداخلتها، أكدت المحافظة المساعدة للبنك المركزي، آمينتا كان، أن الأيام التشاورية كانت محطة حاسمة لتشخيص واقع قطاع التأمين، ما يوحي بأن السلطات المالية تسعى إلى بناء إصلاح يستند إلى معطيات واقعية لا إلى مقاربات إدارية تقليدية.
وتشديدها على “البُعد الاستراتيجي” للقطاع يعكس رغبة البنك في إدماج التأمين ضمن الرؤية الاقتصادية الوطنية، باعتباره أداة لحماية الاستثمارات وتحفيز النمو، وليس مجرد خدمة مالية هامشية.
التحديات أمام الخطة
ورغم الطابع الطموح للخارطة، فإن تنفيذها سيواجه عدة تحديات، أبرزها:
ضعف الثقافة التأمينية لدى الجمهور، ما يحد من توسع السوق.
الحاجة إلى رأسمال بشري مؤهَّل داخل الشركات.
تباين مستويات الامتثال بين المؤسسات التأمينية.
ضرورة تحديث البنية الرقمية لجعل المنتجات والخدمات أكثر سهولة وموثوقية.
خلاصة تحليلية
تبدو الخطة، في سياقها الحالي، خطوة جادة نحو إعادة تنظيم قطاع ظلّ يراوح مكانه لسنوات. لكنها ستحتاج—كي لا تبقى مجرد وثيقة نوايا—إلى متابعة دقيقة، ورقابة فعّالة، واستعداد من القطاع الخاص للانخراط في إصلاحات قد تكون مؤلمة في بدايتها، لكنها ضرورية لبناء سوق تأمينية قادرة على مواكبة التحولات الاقتصادية في موريتانيا.




