لماذا طغيان هذه الدياسبورا اللئيمة ؟ / سيدي علي بلعمش

3. مارس 2025 - 12:20

الزنوج الموريتانيون أسر كريمة ، متدينة ، محافظة ، متعلمة ، ليس من بينهم أسرة واحدة تسكن في نواكشوط ، مثل كل الأسر الأصيلة المتمسكة بأرض أجدادها و جذورها في مدنها و قراها و مزارعها و مراعيها داخل البلد ..

حكومات ولد داداه هي التي فتحت أبوابها و نوافذها و قلوبها لاستيراد إدارة كاملة من السينغاليين . و كانت الإدارة السينغالية حينها من عبدة المستعمر و رُماته و وكلائه الذين سيتم عن طريقهم التحكم في إدارة الاستعمار غير المباشر و زرع الغام كل الفتن الحدودية المُعَدَّة للتفجير عند الحاجة (في كازامانص و على امتداد النهر و في أزواد و غيرها من نقاط التماس على امتداد الحدود بين كل بلدين ..

و حتى من كنا نسميهم رؤساء (سينغور ، المختار ، موسى تراوري …) لم يكونوا في الحقيقة غير حكام (préfets) لفرنسا . و النخب الموالية لهم لم تكن سوى طوابير عملائها الأوفياء ، المتبجحين بفرانكوفونيتهم ..

و عن طريق هذه الأيادي الخفية ، أشاعت فرنسا الكراهية بين شعوب و قوميات المنطقة و فجرت مشاكل الحدود و الأعراق و اللغات و عرقلت النمو و منعت أي تقدم على مستوى الديمقراطية و تسببت بطرق مختلفة في صناعة الانقلابات العسكرية و تزوير الانتخابات و حماية الدكتاتوريات …

و لأن عملاء الإدارة الفرنسية في المنطقة كانوا كلابا عالية التكوين ، استطاعت فرنسا أن تمارس على شعوب المنطقة سياسة "جوع كلبك يتبعك" ، فغذت كل النزاعات و أيدت كل الانقلابات و أججت كل الحروب البينية و الأهلية لمشاغلة شعوب المنطقة عن رسم سياساتها التنموية و توجهاتها التاريخية !!

و بعد شيخوخة و تقاعد الجيل الأول من الإداريين الفرانكوفيليين (في منتصف الثمانينات) ، تم توجيههم إلى السياسة (بعدما عاثوا فسادا في الإدارة) . و بمحاولات فرضهم لغة المستعمر في دساتير المنطقة و إذكاء التوجهات القومية الشوفينية ، أصبحت الأنظمة ناقصة الشرعية التي اجتاحت المنطقة بسبب عرقلتهم لأي تقدم في مجال الديمقراطية ، تهابهم حتى لا تعلن العداء لفرنساء ، القادرة على زعزعة الاستقرار في أي من هذه البلدان بما تملك من أوراق ضغط ، هي سبب ثورة الشعوب عليها اليوم !!

أهملت الأنظمة ناقصة الشرعية ، التي تعاقبت على البلد (و كان رازاك و ولد المقداد و ولد داداه أقل شرعية من أصحاب الانقلابات العسكرية ، عكس ما يردده الكثيرون) ، زنوج البلد الأصليين ، المنسجمين في المجتمع بروح عطاء لا تشوبها شائبة . و تعاطت هذه الأنظمة بكل جبن و غباء مع مجموعة متسللة من السنغال احتل بعضها أسمى المراتب في البلد ، حتى من دون أن يحمل أوراقه الرسمية (صيدو كان ، كان حامدين بابا ، صار إبراهيما ، ولد ابن المقداد ، تيام صامبا و القائمة أطول من أن تُحصى …) ، على حساب زنوج البلد الأقحاح في خطأ لا يغتفر ..

أغدقت الأنظمة التي تعاقبت على البلد ، على هذه المجموعة السنغالية بالامتيازات و الوظائف السامية ، بدل طردها من البلد لما سببت له من عدم استقرار ظل يكبر مع الزمن ( أحداث 1966 ، وثيقة الزنجي المضطهد ، تأسيس حركة افلام السنيغالية ، محاولة قلب نظام البلد 1987 و قائمة طويلة من العناوين الوهمية : العيش المشترك ، لا تلمس جنسيتي ، قوس قزح …) ، أربكت الأنظمة و قوضت الاستقرار و فتحت الباب على مصراعيه لمن هب و دب لتصبح تطرح شروط الانسجام على الأنظمة و تطالب بإعادة كتابة تاريخ البلد و إعادة تأسيسه و كتابة لهجاتهم ورفض اعتماد لغته الرسمية !!؟

أول سفير لموريتانيا في باريس ، عاد إلى وطنه السنيغال بعد انتهاء مهمته الموريتانية و عُيِّنَ وزيرا في بلده الأصلي !!؟
و ذهب أحد وزراء "موريتانيا" في مهمة رسمية إلى السنيغال و استقبله في المطار أخوه وزيرا لنفس القطاع في السنيغال !!؟

لم أستطع حتى اليوم ، أن أفهم أسباب المرحوم المختار ولد داداه التي جعلته يرتكب مثل هذه الأخطاء الكارثية تماما مثل دخول حرب الصحراء !!؟

كما لا أفهم ماذا يحرج الأنظمة الموريتانية في أن تعيد هذه المافيا السنيغالية التي يعرف جل الموريتانيين تاريخ دخولهم البلد و عناوين آبائهم و أجدادهم في قراهم السنغالية ، إلى بلدهم أو إلى أسيادهم في فرنسا ، حسب رغبتهم : حتى المثقفون السنيغاليون رفضوا المشاركة في تأبين ضحايا مذبحة تياروي لأن أصحابها كانوا عملاء لفرنسا و هي مهمة لا تشرف السنغاليين !!؟

على موريتانيا اليوم أن تسن قانونا خاصا للتجنيس و بألف أثر رجعي ، و تصدر جوازات سفر و جنسيات خاصة بألوان مغايرة لجوازات المواطنين الأصليين ، كما تفعل جل دول العالم و أن تُلزمَ المتجنسين باحترام ثقافة و توجهات و أخلاقيات المجتمع ..

و على السلطات الموريتانية أن تراجع سياستها اتجاه الزنوج الموريتانيين الأقحاح و تعتذر لهم عن أخطاء الأنظمة السابقة ، فهم من يستحقون التعيينات و الامتيازات و كل الاحترام و التقدير ، لا هذه الدياسبورا الموجهة من الخارج ، الناقمة على المجتمع ، المعادية لثقافته ، العاملة على مسخ تاريخه ..

النُخب الموريتانية لم تستعمل قط مصطلحات الأغلبية و الأقلية و لم تفرق بين مواطنيها على أساس اللون و لا اللغة و كل من أتيح لهم تعلم لهجات الآخرين ، أتقنوها برغبة و تذوقوا جمالياتها باعتزاز و تغنوا بها ، بلا إكراه و لا فرض و تسييس ..

هذه ثقافة و عُقد و مهمة هذه الدياسبورا المأجورة التي آن لنا أن نوقفها عند حدها .. أن نُفهما أننا نعرف قرية كل واحد منهم و موقع بيت سيده و أبيه و أمه و خاله و عمه ..

لقد تمت معالجة هذا الملف من قبل السلطات الموريتانية بإنسانية خاطئة و بطرق راقية لا تستحقونها و على أصحابه اليوم أن يختاروا بين القانون و الأخلاق و أن يتحملوا كامل مسؤولية اختيارهم .

إن مشكلتكم الحقيقية في جذوركم السنيغالية التي تحاولون نكرانها لا في أصولكم الموريتانية المزورة .

فمرحبا بكم كإخوة سنيغاليين في بلدكم الثاني موريتانيا ، مع رجائنا أن تفهموا أن لكل شيء حدودا .. أن لموريتانيا شعبا يحميها .. أن للضيافة معان كان عليكم أن تحترموها ..

تابعونا