يسعدني، ابتداء، أن أتوجه بجزيل الشكر، إلى صاحب الفخامة السيد فلاديمير بوتين، رئيس جمهورية روسيا الاتحادية، على الدعوة الكريمة للمشاركة في هذه الدورة 16 لمجموعة بريكس، المنعقدة تحت شعار التعاون المتعدد الأطراف: من أجل أمن وتنمية عادلة دوليين، وكذلك على ما أحطنا به، ووفدنا المرافق، من عناية وكرم ضيافة، فائقين.
ويطيب لي أيضا، أن أعبر، هنا، باسمي شخصيا، وباسم الاتحاد الإفريقي، عن عظيم امتنانا وتثميننا العالي، للدعم الذي تقدمه مجموعة بريكس للقارة الأفريقية، وللجهود المشكورة، التي بذلتها في سبيل إحراز مقعد دائم للاتحاد الإفريقي، في مجموعة العشرين.
أصحاب الفخامة والسمو والمعالي؛
أيها السادة والسيدات؛
تشكل مجموعة بريكس اليوم، إحدى أهم منصات ترقية التعاون المتعدد الأطراف، وخاصة في ما بين دول الجنوب العالمي.
وإن التوسع التدريجي لهذه المجموعة، وتباين المستويات التنموية في الدول الأعضاء وتلك الساعية إلى العضوية، لينم عن قناعة المجموعة، بأن التنمية والتطور ليسا ميزة محفوظة لدول دون غيرها بل هما حق لكل الدول، مهما تباينت مستوياتها وسياقاتها التنموية. ولذا يجب الإصغاء إليها كلها، ومراعاة أولوياتها وحاجاتها الإنمائية الأساسية.
فالتنمية لا تكون ناجعة مستدامة، إلا بقدر ما تكون شاملة، قائمة على تضامن وتعاون دولي راسخ.
وإن هذا المبدأ العام، هو أساس مقاربتنا في الاتحاد الافريقي، لسبل تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
فنحن نعتقد أن التعثر والبطء في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، والعجز القائم عن رفع التحديات الجسيمة، الأمنية، والاقتصادية، والبيئية، التي تواجه العالم، مرده، في جزء معتبر منه، إلى ضعف مستوى التعاون المتعدد الأطراف، واختلالات منظومة الحكامة الدولية، المالية والسياسية، والنقص البين في التضامن وتضافر الجهود، إقليميا ودوليا.
ولذا فإن العالم اليوم، وخاصة قارتنا الإفريقية، لفي أمس الحاجة إلى بعث ديناميكية جديدة، في التعاون المتعدد الأطراف والتضامن والتآزر الدوليين، وهو ما يوجب حتما إعادة صياغة قواعد الحكامة الدولية، المالية والسياسية.
فإن من الصعب على دولنا الإفريقية استغلال فرصها الإنمائية الكبيرة، وتحرير إمكاناتها الهائلة، لصالح التطور والنماء مع استمرار مشكلة المديونية التي تعيق بقوة جهودها التنموية، ونظام المساعدة العمومية للتنمية القائم الذي أثبت قصوره عن تحقيق الأهداف المبتغاة منه، و كذلك مع ضعف تمثيل القارة في المؤسسات المالية المتعددة الأطراف، الذي لا يتيح لها ضمان مراعاة الأجندة الدولية لحاجاتها الإنمائية الملحة، خاصة ما يتعلق منها بالبنى التحتية الداعمة للنمو، ونقل التكنولوجيا، وتعزيز المنظومات التعليمية، والتقنيات الجديدة.
وإجمالا، لا بد من استحداث ميثاق جديد لتمويل التنمية، يكون أكثر مرونة واستدامة ويضمن للدول الأقل نموا نفاذا سلسا، ومنصفا لتمويلات تناسب أولوياتها.
ورغم أ ن مراجعة منظومة الحكامة المالية لا غنى عنها فإن إعادة صياغة قواعد الحكامة السياسية الدولية ألح، إذ بها تناط مسائل الأمن والسلم الدوليين.
فمنظومة الحكامة السياسية الدولية في صيغتها الراهنة، يطبعها الكثير من الحيف والكيل بمكاييل متفاوتة، غالبا على حساب الدول الأكثر ضعفا، والأقل نموا.
وإن ازدواجية المعايير هذه، بما تنطوي عليه، موضوعيا، من تغافل عن القيم الإنسانية الجامعة والقرارات والمعاهدات الدولية هي ما يفسر اليوم مثلا عدم ضغط المجتمع الدولي بالقوة اللازمة لإيقاف ما نشهده من مجازر وحشية في فلسطين ولبنان.
كما أن ضعف التضامن الدولي والتعاون المتعدد الأطراف هو ما يفسر بعض جوانب عجزنا إلى الآن، في القارة الإفريقية عن القضاء على العنف وعلى الإرهاب الذي يهدد أمننا واستقرارنا ويعيق جهودنا الإنمائية.
إن قيام استقرار وأمن دوليين، بنحو مستديم، كما يدعو إليه شعار قمتنا هذه، يتطلب احتراما صارما للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني المترجم لقيمنا الإنسانية الجامعة. كما يتطلب أعلى مستويات التضامن الدولي والتعاون المتعدد الأطراف.
ومن ثم فإنه يتعين علينا جميعا تعميق الوعي بوحدة المصير الانساني وبأنه ليس ثمة من مقاربة ناجعة لقضايا الأمن والسلم غير المقاربة الجماعية التضامنية والمتعددة الأبعاد. فلن ينعم أي منا بسلام مستديم إلا بقدر ما ينعم الآخرون به كما دأبنا على تأكيد ذاك في مختلف المناسبات.
لا بد إذا من تعزيز التعاون المتعدد الأطراف والتضامن الدولي والعمل على إصلاح الحكامة السياسية الدولية لتصير أكثر عدلا وتوازنا وتمثيلا للدول الأقل نموا ومراعاة لحقوقها وأولوياتها.
وفي هذا الإطار أود أن أجدد من هذا المنبر الدعوة إلى منح القارة الإفريقية مقعدا دائما في مجلس الأمن، لتمكينها من إسماع صوتها وضمان مراعاة أولوياتها في الأجندات الدولية.
ونحن في الاتحاد الإفريقي نعول كثيرا في تحقيق هذا المطلب على دعم مجموعة بريكس والجنوب العالمي عموما.
وإنني إذ اتمني لأعمال هذه القمة كل التوفيق والنجاح لعلى يقين من أن نتائجها ستسهم، بحول الله وقوته، في تعزيز التعاون المتعدد الأطراف بما يخدم قيام أمن وتنمية عادلة دوليين.
أشكركم والسلام عليكم.