المؤكد أن سياسة الترقيع و المساكنة السياسية من اقل السياسات تكلفة على المستويين المالي والسياسي.
وفي المقابل يكون الثمن غاليا وكبيرا حين تستخدم الرؤية أدوات متهالكة.
لذلك - وعبر تاريخ الأداء السياسي - كانت القرارات المصيرية والثورية مفاجئة وصادمة لحظة تنفيذها والإعلان عنها للعامة، لكنها ابعد ما تكون عن تلك الاعتبارات بالنسبة للقادة الذين خططوا لها جيدا ومهدوا لتنفيذها وأزالوا كل العقبات المتوقعة لعرقلتها.
انتظر عبد الناصر عامين لتتشكل اللحظة المناسبة لإزاحة جناح محمد نجيب.
وانتظر أربع سنوات لبناء قرار تأميم قناة السويس.
وحدهم العاطفيون يظنون أن إبعاد نجيب كان نتيجة خلاف طارئ.
ووحدهم يظنون أن قرار التأميم كان نكاية بالخصوم.
إنها مجرد نقاط كانت مرتبة جيدا في جدول أعمال عبد الناصر ضمن طموحات كبيرة كان يدرك أن جل معاونيه لن يكونوا ضمن أدوات تنفيذها.
----
تحدث الرئيس غزواني بامتعاض وغضب بالغين في قضية الفساد وضَمّن تعهداته التزاماتٍ واضحة بحرب لا هوادة فيها على الفساد والمفسدين.
بعدها خرج بخطاب وادان
وخطابيه المواليين بخصوص الشباب والادارة.
ثم اعتراف الدولة بضعف الأداء الحكومي الناتج عن ضعف وفساد وتهالك البنية الادارية.
لم تظهر في هذه الخطابات الهامة والمعبرة عن حقيقة الهم الموريتاني، أي استجابة تذكر من قبل الطواقم السياسية أَو التنفيذية للرئيس.
فخطاب وادان مر كلمح البصر دون أن تتلقفه سواعد المعاونين أو تكرسه في برامج ومشاريع حكومية، فتم طي صفحة خطاب وادان التاريخي حقا.
وغضب الرئيس من أداء الإدارة مر دون أن تتم قراءة الواجب العملي حياله، فلم يتحقق أي قطاع من بنيته الإدارية ولا أقال ولا أحال وعدل أو أمال، وذهب خطاب الرئيس وغضبه أدراج الرياح.
لم يعد لغز الصورة معقدا كما كان ولكن الصورة لا تكون صورة إلا بعد أن تأخذ كل قطعة مكانها المناسب.
ظهرت ملفات الفساد التي كانت في حيز التكهن السياسي المتضارب حسب وجهات المتضاربين.
فظهر الجزء الأهم في الصورة الكبيرة، إذ بدأ الشعب يتحسس بيقين حجم ثراوته المنهوبة، ويتعرف على سوائد وأعراف المفسدين.
ويبدو أن هذا الدرس كان مهمها للغاية، فهو أخرجنا من حيز التكهن والشك الاعتياديين إلى حيز العلم واليقين الصادمين بما يدار من نهب في أروقة إدارتنا وخلف واجهاتها الكسولة ووجوهها العبوسة .
والصورة - كما تعلمون - تكتمل بمساعدة الألوان والأركان أيضا.
فالرئيس الذي وجه الثروة للفئات المغبونة وخنق سياسة الصرف العشوائي وحاصر اذرع الاستدانة، لن يكون محبوبا من تجار الوضع القائم ولا من سماسرته ومقاوليه، لذلك كان لابد من استبدال الظهير السياسي العمودي بالظهير السياسي الأفقي.
لم يستجب المتنفذون لنصرة الرئيس ولا لبذل الجهد في تكريس خطابه ولا إحسان قراءة ومقتضيات توجهاته وتعهداته.
لكن الرئيس يعرف جيدا ماهية الصورة ومحتواها حين تكتمل ( هذا ما يفترض توقعه).
فهل اقتربت لحظة مسح الطاولة؟
سيكون قرار مسح الطاولة بالتأكيد قرارا مستندا إلى شعبية المغبونين والمهمشين.
وسينزع سروال المنظمات الحقوقية والخطابات السياسية المتاجرة، باستقطابه العادل لأبناء المحرومين من الوسطاء والمغبونين نتيجة الفساد.
سيفتح نافذة الأمل لدى جيوش من الكفاءات الشابة التي راهنت على تعهدات الرئيس.
سيخلص الدولة من وحل الجمود والفساد الاداريين.
سيجدد دماء الدولة ويغير عقلية وأنماط الفعل الادراي.
سيمنح الفرصة لأجيال متطلعة ومتلهفة ومؤهلة لبناء تجربتها.
سيمنح الفرصة لضحايا الوضع القائم لمعالجة الأوضاع التي أذلتهم وحرمتهم.
سيشكل أعظم وأهم انجاز قي تاريخ العدالة الاجتماعية بإحالة جيل أخذ فرصته ولا يزال مستميتا في انتهاك الزمن لصالح هيمنته.
جيل اهلك الحرث والنسل وشيد ما شاء كل بقدر فساده أو صلاحه ( وقليل ماهم).
بقرار أو سياسة مسح الطاولة يكون الرئيس قد انتصر لخطاباته بنفسه بعد أن فشلت قواه السياسية في قراءة توجهاته وتنفيذ إرادته.
بقرار مسح الطاولة سيكون الرئيس قد انتصر لأهم مطالب الأمة الموريتانية وقطع دابر اليأس في الأجيال المحبطة من التهميش وهيمنة النافذين على المال والمشاريع والوظائف وحتى على تشكيلات وتشكلات العمل السياسي.
بمسح الطاولة يكون الشعب الموريتاني قد حل لغز صورة الرئيس وانتصر في أهم معاركه على الفساد.
وسيكون الأداء السياسي للرئيس قد بلغ أوجه واخترق الشك بسهم اليقين وانتصر للسياسة والمجتمع بتغيير قواعد اللعبة باستبدال انصار السياسة بأنصار الدولة.
وبذلك تكون الطاولة جاهزة ومرتبة
لا وزراء ولا أمناء عامون ولا مدراء عموميون ولا مركزيون ولا مفتشو دولة ولا محاسبو قطاعات.. الخ، ممن تدور حولهم دائرة شك ولا بدت في سيرهم ولا تاريخهم سابقة ريب ( وجوه جديدة).
نضر الوجوه سود الشعر يلبسون بذلالتهم بتناسق ويستخدمون العطور ويحسنون التبسم في وجوه العامة ولا يأخذون هواتف الوفود الزائرة لينثروا أطماعهم على خطاهم.
جيل سيتشتري سياراته وقطعه الأرضية الأولى وهو ممتن للإنصاف.
هل يخطط الرئيس لمسح الطاولة؟ / محمد افو