بين الفينة والأخرى يحتدم صراع ضرورة اكتساب اللغة بين طرفيه المتنازعين ليصل في أقصى مداه لبس الرأي في اللغة ثوب الدين نفسه ،وقد يتجاوز السقف لدرجة قول المتنطع أن اللغة هي الدين لأنها له وعاء ،وهذا القول رغم ماله من مستند إلا أن إطلاقه على فصاحة اللغة تنطع لاخلاف فيه بخلاف القول به لضرورة أهمية اللغة لفهم الرسالة.
في الوقت الذي تشتد فيه أنظار أصحاب الحداثة إلى رأي مفاده أن اللغة بحاجة للمرونة والتبسيط باعتبارها مجرد أداة للتواصل ،وهذا في النظر له حظه ومن الصحة أيضا.
لقد كان عليه الصلاة والسلام رائد الحكمة ومنطلقها الأول في كيفية أسلوب الأخذ والتعاطي مع الآخر ،كما كان عليه الصلاة والسلام يسوس الناس بأساليب لاتعرف للإجحاف بهم سبيلا ، فكان يعطيهم ويبث في قلوبهم الحب حتى أسلموا وآوت إليه أفئدتهم قبل الأجسام ،وشتان مابين الإرغام على الإسلام ،وحب الإستسلام للإسلام!.
فكان يدعوهم بأسلوبه الرائد المنبثق عن الرحمة التي امتن الله عليه بها فقال: "فبما رحمة من الله لنت لهم ،ولو كنت فظا غليظ القلب لنفضوا من حولك".
وكما يقول أستاذ التربية بالمدرسة العليا للتعليم الدكتور: "أدُّوا" إن "انفضوا من حولك" تعني فشل الرسالة وعدم تحقيق الهدف ،وأصحاب التنطع في هذا الطرح لم يفهموا ،ففاتتهم السنة.
وفي إشكالية اللغة العربية وربطها بالدين ظل النبي عليه الصلاة والسلام حليما كريما رؤفا رحيما ،ولتبسيطها على الجميع اختار أسلوب تقبل مايأتي من كل محاول النطق وإن لم ينطقه صحيحا سليما. على أسلوب التعنيف والترهيب ومايمارسه بعضنا على بعض من طغيان في هذا الصدد ،فكان يقول لبلال: سين بلال شين عند الله ،ولم يقل قط من لم يكن له حظ فصاحة فلايؤذنن بمسجدي.
كما كانت الأجور المذكورة بشكل تدريجي للذي يقرأ القرآن وهو عليه شاق والذي يقرأ القرآن وهو يتتعتع فيه متفاوتتة للترغيب ولم تحرم البسيط حقه في الجزاء ،لأنه بحاجة لتعلم اللغة أكثر فأكثر!.
وإن مثل هكذا منهج لكاف لتجنبنا العصبية مع الآخرين من إخواننا ترغيبا لهم في دين الله ولنكون مبشرين لامنفرين ، وحري بأي منتم للملة أن يتخذ منه عليه الصلاة والسلام أسوة حسنة ،وفي الخطى الدعوية أحرى وأولى.
وهنا تجدر الإشارة أن ماذكرناه سابقا لايعني بحال من الأحوال أن نتجه للتجاه الحداثيين ممن لم يعطوا اللغة حقها فلامعنى لأن تتجاهل قواعد تقويم اللسان العربي وخصوصا في شقيها النحوي والصرفي ،لأنها هي التي تحقق وبمرور الوقت الوصول لأعلى درجات الثواب المذكور في نصوص الوحي سواء على مستوى القراءة أو الفهم... وسبيل الترغيب من سبيل ممارسة الغطرسة والتنطع هاهنا أولى وأسلم.
كما لاينبغي لكائن من كان أن يسوغ تنطعه وهمجيته في ضرورة تصحيح اللغة على أنها عين الدين في الوقت الذي تكذبه فيه نصوص الوحي وتصرفات خير البرية عليه الصلاة والسلام.
بل الأجدر بأصحاب هذا الرأي (المتنطعين) أن يتذكروا أن اختلاف القراء في المقرإ وتقبله عليه الصلاة والسلام لجذور ذلك الخلاف ماهو إلا تجسيد للإنفتاح الديني للغة بمختلف توجهات الناطقين بلسانها ،ولم يفرض النبي عليه الصلاة والسلام على باقي العرب أن ينطقوا بلسان قومه فيما لايجتمعون معهم فيه في النطق ،وإنما أقرهم كلهم على ماقرؤوا عليه، لتصل الرسالة للجميع وكل من مكانه وعبارته التي وضعها قومه من قبل.
وخلاصة ماسبق أن الحسنة في اللغة بين سيئة الإفراط والتفريط واردة ،وبما أنه لا إكراه في الدين فلا إكراه في اللغة ،وتعلم العربية ضرورة لاغنى عنها لكن جعلها عقبة أمام كل متحدث ومبتغ لرضوان الله خطأ من أخطاء المتدينين ولاعلاقة له بالدين ،وأيما محاولة ،وأيا كانت لها حظها من الأجر كما ثبت بالنص.
مع تحيات: ناصر الدين عبد الكريم