ليس من عادة قصر المؤتمرات أن يجمع وزراء في حكومة ولد عبد العزيز، بأكثر المعارضين راديكالية، وكانت هذه المجموعة الأخيرة تعتبر من يجمعهم ذلك القصر بممثلي النظام، خارج خارطة المعارضة، لكنه فعلها هذا المساء، حيث اجتمع وزراء من الحكومة مع مرشحي المعارضة الأربعة، يتقدهم رئيس حركة إيرا بيرام الداه أعبيد، الذي كان إلى عهد قريب، وإياهم للماء والخمر.
مالذي يجري في الساحة السياسية وهي في شهر ولادة نظام جديد، سيكون لاشك شقيقا للنظام الذي يلملم متاعه استعدادا للرحيل؟
مالذي تغير حتى يستعد أحد أبعد السياسيين من النظام -علنا على الأقلل- للحوار ثم التنازل في الوقت بدل الضائع ؟
والسؤال الأهم من سيخدع من ؟
يبدو أن المرشح الحاصل على المرتبة الثانية في الانتخابات الماضية، لا يعير كثير اهتمام للمثل العربي " من لدغته الحية حذر الرسن "
فالمرشح بيرام الداه أعبيد الذي التقى الرئيس المغادر في السر مرة على الأقل، ولم يكن ذلك اللقاء مفرحا، يبدو أكثر المتحمسين للحوار مع الوافد الجديد غير الغريب على القصر، وذراع ولد عبد العزيز الأيمن، لكن هذه المرة في العلن.
على طريق مسعود
ما أقرب اليوم من البارحة، وما أكثر قدرة السياسيين على التحول ...
حينما كان رئيس حزب التحالف التقدمي مسعود ولد بلخير، يرى بأن موريتانيا تمر بمرحلة خطيرة، لا يمكن أن تخرج منها، إلا بالحوار الشامل بين النظام أقطاب المعارضة، وأعلن عن مبادرته للحوار، كان رئيس حركة إيرا آنذاك في أوج ازدهار خطابه الراديكالي، وأبعد ما يكون من الجلوس إلى النظام للتحاور، وكان قد انتقد تلك المساعي.
مساعي ولد بلخير التي عللها بمصلحة الوطن، والخوف عليه، يجددها اليوم ولد أعبيد، لكن الأخير يعللها بترسيخ الديمقراطية.
أي ديمقراطية وسط الامتعاض من تزوير الانتخابات ؟
باب التنازلات
أعلنها بيرام الداه أعبيد صريحة، أمام مرشحي المعارضة وممثلي النظام أنه مستعد للتنازلات من أجل التفاهم، معتبرا أنه على النظام التنازل.
قد نفهم التنازلات التي قد يقوم بها النظام، ترخيص حزب "الرك" مثلا أو "إيرا" أو تنظيم جديد، ثم إشراك بعض الشخصيات في بعض المؤسسات، هذا إن قبل النظام التنازل بمعنى التنازل.
لكن في المقابل، مالذي سيتنازل عنه بيرام الداه أعبيد للنظام ؟.
يمكن أن يكون ولد عبد العزيز يهدف إلى ترك تريكة لخلفه، خالية من خطاب بيرام الراديكالي، وحركة تنزل الشارع وتتظاهر رغم القمع، ثم اعتراف بنتائج الانتخابات الماضية، تضمن عدم تحرك المعارضة في الموضوع.
ويمكن أيضا أن يكون بيرام نفسه قد عرف أنه بلغ مبلغا لن يتجاوزه في النشاط الحقوقي، وحان إبراز الجانب السياسي في المرحلة المقبلة، ولذلك فهو مستعد لأخذ أي مكسب من النظام المغادر والآخر المقبل، حتى لا تمر عليه خمس سنوات أخرى دون مكاسب تذكر.
من سيخدع من ؟
ورغم كل شيء، قد يكون بيرام الداه أعبيد يلعب لعبة جديدة مع النظام، فمن جهة يقنعهم بشخصيته الجديدة وخطابه المتزن المغلف بالخوف على مصلحة الوطن، وعندما يصل لمبتغاه يعود بيرام إلى حالته القديمة... خطاب راديكالي ومظاهرات ...فسجن ..
لكن المرجح هو أن يستمر بيرام الداه أعبيد في مرحلته الجديدة، ويترك مرحلة المظاهرات والسجن والخطاب الراديكالي خلف ظهره.
النظام لن يثق في مساعي بيرام الداه أعبيد الجديدة، وهو يعرف جيدا مالذي يريده بيرام منه، لذلك سيحاول تلبية ما يمكن أن يلبيه من مطالب المرشح الثاني في الانتخابات، حتى يتم تجاوز هذه المرحلة من تاريخ البلد، ومن بعد ذلك يمكن أن يتنكر لباقي المطالب أو الشروط التي لا يريد أن ينفذ، وبالتأكيد ستكون هناك مطالب لبيرام صعب على النظام تنفيذها.
مرحلة ما بعد تنصيب ولد غزواني ستكون مليئة بالمفاجآت واللعب السياسي، وستكون الاحتمالات كلها واردة، ما لم يغلق ولد الغزواني الأبواب أمام الجميع.
أكثر ضاربات الرمل خبرة، لن تستطيع التكهن بما قد يحصل في الفترة المقبلة، فمن جهة هناك رئيس جديد ما يزال لغزا، ومن جهة أخرى مجموعة من السياسيين تبحث عن مصالح في العلن -عامة- وفي السر -خاصة- فمن ذَا الذي بمقدوره أن يخمن مستقبل واقع هذا حاله ساسته ؟
بقلم/السالك زيد